هل تنظيم داعش مازال قادراً على المبادرة؟
إعداد: صفوان داؤد* باحث مختص بالشأن السوري ـ سوريا
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ بدا واضحا منذ بداية العام الماضي 2016 أن تنظيم داعش قد وصل إلى ذروته من حيث الانتشار الجغرافي وقدراته العملياتية, ومنذ منتصف عام 2016 بدأ يخسر الجغرافيا التي يسيطر عليها تباعاً, ففي سوريا خسر مساحات شاسعة في ريفي حلب الشمالي والجنوبي لصالح كل من الجيش السوري وتنظيمي «فتح الشام» و«احرار الشام». وفي 2 مارس آذار الماضي 2017 خسر مدينة تدمر الأثرية الشهيرة ومحيطها في وسط البادية السورية, ثم جبال الشومرية في ريف تدمر الشمالي, ومنطقة شاعر في بادية تدمر الغربية.وفي 20 مايو 2017 بدأ الجيش السوري وحلفائه هجوم ساحق على البادية السورية عُرف باسم عمليات «الفجر الكبرى لتحرير البادية» استطاعوا من خلالها استرداد حوالي 13 ألف كم مربع من بادية تدمر واقتربوا من الحدود العراقية. خسر التنظيم أيضا مساحات أخرى في شمال شرق سوريا على يد «قوات سوريا الديمقراطية»؛ قرية المشيرفة الإستراتيجية التي تبعد 30 كم عن مدينة الرقة في مارس آذار 2017 ،هذا العام, ثم بلدات أم التنك، بير جربا، جروة، والحتاش وحزيمة في ابريل نيسان, وفي الشهر الماضي مايو 2017 خسر أهم مواقعه في محافظة الرقة مدينة الطبقة الإستراتيجية التي تحوي على مطار عسكري وتسيطر وتتحكم جغرافياً بسد الفرات. لقد أدت الخسائر المتتابعة لتنظيم الدولة أمام «قوات سوريا الديمقراطية» إلى تفكير قادة التنظيم جديا بنقل عاصمتهم المزعومة من مدينة الرقة إلى مدينة دير الزور على ماذكر موقع إيلاف (1), كما دفع مخططيه إلى محاولة التوسع جنوبا نحو منطقة اللجاة السورية.أعلنت الحكومة العراقية يوم 29 يونيو 2017 سقوط ما تسمى بـ”دولة الخلافة”، تنظيم داعش التي أعلنها زعيم تنظيم داعش في يونيو 2014، بعد استعادة جامع النوري بالمدينة القديمة لمدينة الموصل. وتمكنت القوات العراقية من السيطرة على جامع النوري الكبير في الساحل الأيمن لمدينة الموصل.وبالتزامن مع معارك تحرير الموصل في العراق، انطلقت يوم 6 يونيو 2017 عمليات تحرير مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم داعش في سوريا، انطلاقا من مبدأ فتح أكثر من جبهة ضد هذا التنظيم. وفي إطار العمليات العسكرية، أطبقت قوات سوريا الديمقراطية الحصار على مدينة الرقة السورية، بدعم من الولايات المتحدة.وتشكل الرقة أهمية إستراتيجية خاصة لدي تنظيم داعش، فهي عاصمته الأولي و بها مركز قيادته الرئيسي، طالما تحولت الرقة إلي منصة انطلاق لعمليات التنظيم بداخل العمق السوري هذا فضلاً عن كونها عقدة وصل بين الموصل العراقية و باقي مدن الشرق السورية. وبذلك يمكن اعتبار مدينة الرقة، مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق وسط سورية وشرقها وشمالها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب العراقي والتركي.في العراق حققت قوات مكافحة الإرهاب العراقية تقدم ميداني كبير أيضاً على حساب «تنظيم الدولة» (2) بعد ان استكملت تحرير شرقي الموصل (الساحل الأيسر) وانتقلت الى غرب الموصل (الساحل الايمن), رافقه تدهور معنويات مقاتلي التنظيم وفقدانهم المبادرة على ارض المعركة وحصول عمليات هروب من جبهات القتال. وذكرت صحيفة العرب اللندنية أن تنظيم الدولة “لم يعد يسيطر سوى على نحو 30 بالمئة فقط من النصف الغربي للمدينة” (3).العراق استطاع تحرير مدينة الموصل القديمة لاحقا بعد سيطرته على جامع النوري، ومنارة الحدباء، السيطرة على جامع النوري له دلالات كثيرة، كونه المكان الذي أعلن منه البغدادي زعيم داعش “خلافته” المزعومة، السيطرة على الجامع يعني انتهاء داعش على الأرض. العراق يتجه نحو تحرير مدينة الموصل بالكامل.وفي غرب العراق وصلت قوات الحشد الشعبي إلى قرية أم جريص قرب الحدود السورية (4). وهناك غير مؤكدة وردت لكاتب هذا المقال أن قوات الحشد الشعبي مساء 31 مايو 2017 إلى الأراضي السورية وسيطرت على قريتي القصيبة والبواردة الواقعتين جنوب شرق مدينة الحسكة.مع ذلك لايمكن أن نستبق الأمور ونعلن هزيمة هذا التنظيم إذ مازال يملك جغرافيا واسعة في ريف دير الزور وريف حمص الشرقي وريف الموصل وجيوب جغرافية فاعلة في مناطق الرطبة والرمادي في العراق واللجاة في سوريا, وهو قادر إذا ماتوافرت ظروف معينة أن يعيد ربطها كاملة أو أقساماً منها.لا يزال قياديي التنظيم قادرين على المناورة بفعالية, وفي العديد من العمليات قامت عناصرهم بهجمات معاكسة آخرها مثلا على ريف مدينة السلمية السورية (محافظة حماة) على خط قرى المبعوجة والسعن وجدوعة, ورغم أن الجيش السوري استعادها لاحقاً, روع عناصر التنظيم أهالي قرية عقاربب بمجزرة مروعة.عادة ماتحصل هذه الاختراقات لعوامل عدة أهمها عدم وجود تنسيق بين القوات المحلية والجيش السوري, علما انه لولا تدخل الأخير لكان الوضع أكثر سوءاً. إن الهجوم المتكرر على مدينة السلمية –بالتزامن مع تراجعه في مناطق جغرافية أخرى- يعود إلى السعي الجاد لقياديي التنظيم السيطرة على طريق الرقة-حمص, حيث يمكن من خلاله وصل مدينة الرقة بعدة جيوب جغرافية للتنظيم في وسط سوريا.ومن الملاحظ بان التنظيم صعد اهتمامه في الجنوب السوري “الفرع الجنوبي” حيث يسيطر عليه «جيش خالد بن الوليد» الذي تشكل في مايو أيار العام الماضي 2016 من اندماج كل من «لواء شهداء اليرموك» وحركتي «المثنّى» و«سرايا الجهاد», وهو يحتل مساحات واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة السوريتين, وكان قدا ستطاع أن يفرض سطوته على بقية الفصائل الأخرى.وهو حالياً يشكل خطرا كبيرا على الأردن على ماقال الناطق الرسمي باسمها وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني. وللحفاظ على هذا الفرع يؤمن تنظيم داعش خط لوجستي هام بين “منطقة تدمر عبر بادية الشام إلى الضمير في ريف دمشق الشرقي، ثم إلى الجنوب باتجاه حوش حمّاد قرب اللجاة” (5).مايجري الآن في معركة البادية السورية والإرادة الشرسة للجيش السوري تحرير مثلث التنف- السبع بيار- السخنة الجغرافي يشبه صراع حلفاء كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة السيطرة على خط العرض 38 في الحرب الكورية عام 1950. الرابح في معركة مثلث التنف سيكسب تحول استراتيجي في الحرب السورية لن يتكرر. مع كل ماسبق رغم تراجع التنظيم جغرافيا نلاحظ أن حيويته العسكرية وعقيدته الإرهابية مازالت تقريباً , ربما يعدو ذلك إلى انتشاره الأفقي واستقلالية أفرعه, ولم تتوقف عناصر التنظيم عن تنفيذ العمليات الإرهابية في سيناء وبغداد وسوريا وغيرها من مناطق أخرى, مما يزيد الاعتقاد بأن التنظيم رغم خسارته لكل من الموصل والرقة سيبقى على المدى المتوسط تنظيما إرهابياً فاعلاً، بتنفيذ عمليات إرهابية في عواصم عربية وغربية أكثر من شن هجمات واسعة أو مسك الأرض.
هوامش
(1): داعش ينقل مسؤوليه من الرقة إلى دير الزور, موقع ايلاف, 26 ابريل 2017, www.elaph.com/Web/News/2017/4/1145141.html
(2): بدأت جغرافيا تنظيم الدولة بالانحسار حقيقة منذ عام 2015 اذا استطاعت القوات الحكومية العراقية تحرير سنجار في 13 نوفمبر تشرين الثاني 2015: الرمادي في 27 ديسمبر كانون اول 2015: بيجي 29 يونيو حزيران 2015 , ثم الفلوجة 26 يونيو حزيران 2016
(3): داعش يختنق في الموصل وخلاياه تستيقظ في مناطق مستعادة, صحيفة العرب, العدد 10626, 8 مايو 2017 لندن, ص3
(4): “العامري يعلن وصول قوات الحشد الشعبي إلى الحدود العراقية السورية”, تلفزيون روسيا اليوم. 29 مايو 2017
(5): «داعش الجنوب»: بين الحصار والطموح… حدود أردنية, صحيفة الأخبار, بيروت, العدد3143, 3 ابريل نيسان 2017
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات