أوروبا وإشكالية الاغتراب والإرهاب

إعداد : الدكتور عبد الكريم عتوك ، مستشار أمني ، خبير علوم الإجرام و مكافحة الإرهاب ـ  مدريد

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ مفهوم الاغتراب وأبعاده:قد يجد المرء نفسه في وقت ما ، ولظرف ما ، محاصرا بظروف من الشجن وضيق الحال ، تدفعه إلى الرحيل بعيدا عن الأهل  والوطن ، والانخراط في دوامة من العزلة والاغتراب .  وعندما نتكلم هنا عن الاغتراب ، فإننا نعني بذلك الحالة السيكو اجتماعيّة للإنسان عندما يكون غريبٍا بعيدا عن وطنه وأهله وعاداته وما يترتب عن ذلك من أنواع السلوك الاجتماعي من توثر واكتئاب نفسي وتمرد وصراعات داخلية تحل بالفرد ، وخارجية بينه وبين الآخرين نتيجة اغترابه عن ذاته وعن مجتمعه   وعن وسائل الإنتاج طالما أنّه لا يستطيع الوصول إلى الاستقرار والرضى و السعادة في عمله ، الشيء الذي يؤدي به أيضاً  إلى المزيد من الاضطرابات النفسية  .وأمام  تصاعد خطابات الكراهية ضد المسلمين بأوروبا، من جانب اليمين المتطرف بشكل عام ، وحيث أن هده السياسة أصبحت بالنسبة للمتطرفين اليمينيين بمثابة أرضية يعتمد عليها في تحامله على الأديان و الأعراق المختلفة ، أدى هذا إلى خلق استياء عام وسخط سياسي بين الشباب المغترب والأوروبي من أصول مسلمة باعتبارهم ركيزة المجتمع ، وكذلك إلى صعوبة في التكيّف مع المجتمع المحتضن ، نتيجة سياسات التهميش والإقصاء التي تمارسها في حقهم من لدن بعض الأحزاب المتطرفة الحاكمة بأوروبا ، ناهيك عن عدم احترام الخصوصيات الثقافية واللغوية والدينية والعرقية للمواطنين من أصول مسلمة ، وفشل سياسات إدماج المهاجرين  .

الإقصاء والتهميش الاجتماعي يشجع على انتشار العنف والإرهاب  

في مناخ يسوده كثرة الفراغ والوقت الضائع ، ومتقدمون لشغل وظائف من المسلمين بحظوظ أقل بأربع مرات من غيرهم للظفر بمنصب عمل ، و فرص تعليمية ومهنية غير متكافئة ، الإقصاء الاجتماعي ، ومشاكل العيش في دولة الرفاه في ظل اللامساواة  و الاستبعاد والتغييب الحاصل في الاندماج ، فإن اغتراب المواطنين عن الحياة السياسية أوعن الحياة الاجتماعية ، معناه الدخول في حالة من الانعزال والتراجع من جهة ، وحالة يقتنع فيها الفرد بأنه يعيش في غربة محكمة عن مجتمعه الجديد ، الشيء الذي يؤدي إلى القطيعة معه والتبرم من قيمه ، والتقوقع داخل جماعات صغيرة تتبنى فكرا متطرفا يشجع على الكراهية ونبذ الأخر.إذا كان قانون الفيزياء  يقول : أن الضغط يولد الانفجار . فقانون علم الاجتماع يقر على أن الإقصاء ، التهميش، اللامساواة العنصرية والظلم الاجتماعي يؤديان إلى الغليان والسقوط في فخ التطرف ، إما في السجن نتيجة تمرير الفكر التكفيري عن طريق وسطاء أو الانتداب بالإنترنت ، وهو أمر خطير ووارد يشجع على تفشي الجرائم وانتشار الإرهاب .الشباب الذين اتجهوا للتطرف، في الغالب هم شباب أبصروا النور وترعرعوا في بلدان أوروبا وحملوا جنسياتها على اختلافها ، لكن لم يعد لديهم إيمان بالمجتمع الذي يعيشون فيه من جهة ، ولم يستطيعوا تكوين علاقات جديدة مع أصحاب الأرض واكتفوا فقط بالالتفاف حول أبناء وطنهم الموجودين في دول الاغتراب من جهة أخرى  ، ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة .فإحـسـاس سكان الضواحي بالتهميش والتغييب و على أنهم هم قوم غير مرغوب فيهم وأًنهم من الدرجة الثانية ، أدى بهم إلى الشعور بالضيق و الحيرة وعدم الوضوح والتناقض ، يظهر على هيئة توثر واستعداد كبير للانفجار ، و إلى التفكير في نشوة المغامرة والذهاب حيث جبهات القتال والجهاد . فمنهم من سافر مع المقاتلين صوب سوريا أو العراق أو ليبيا ، للخروج من المأزق أو إلى التوحد مع جماعة أو تنظيم إرهابي  .

فرنسا و إشكالية الأرضية الخصبة للتطرف والإرهاب

تعتبر فرنسا من أكثر الدول التي تستهوي المسلمين للهجرة إليها ، خاصة المتمركزين جغرافيا في الضفة المتوسطية الجنوبية والمغرب العربي ويعيش في فرنسا أزيد من خمسة ملايين مسلم يعدون أكبر تجمع للمسلمين في أوروبا ، كما يشكل المسلمون أقلية دينية تعد الثانية من حيث النسبة المئوية في أوربا بعد الديانة المسيحية ، مع وجود ما بين 15000 إلى 16000 متطرف في فرنسا ، منهم 5325  شخصا يعيشون في منطقة باريس وضواحيها ؛ كضاحية « سان دوني » وغيرها .وعلى غرار حي “البرينسيبي” الشهير بضواحي مدينة سبتة المحتلة بإسبانيا ، وحي “مولنبيك” الواقع بإحدى ضواحي بلجيكا،  تبقى الدائرة الثامنة عشرة في باريس ، جهة شارع  بولفار باربيص والتي توصف بـ الساخنة والملتهبة ، والتي تعتبر الملاذ الاول الحاضن للعصابات المسلحة والتي تتاجر في المخدرات و تفرض قانونها الخاص داخل فضاءاتها ، مما يصعب عملية اقتحامها من طرف الأجهزة الأمنية الفرنسية ، لكونها مناطق أكثر احتواءً لأشخاص لديهم تدن في مستوى الثقافة والمعرفة أو التعليم والمتطرفين ، ابتداءً من المنحرفين الخارجين عن القانون ، إلى اللصوص ،وأصحاب السوابق من سجناء صغار السن والمنحرفين التائهين مرورا بالمجرمين وعصابات تهريب وتزوير الوثائق الرسمية إلى المتشددين التكفيريين .فعندما يلتقي متطرفون ذوي خبرة مع هذه المادة الخامة وهذا الكوكتيل من المجرمين و الفاشلين في الحياة ، فطبيعي أن يسهل الاستقطاب والاجتذاب و الانجرار ويرتمي الشباب بين أحضان التنظيمات الإرهابية على اعتبار أنها  حسب تفكيره ، النموذج الملهم والمخلص لهم من معانات الاغتراب وفقدان الذات مشهد يومي بالدائرة الثامنة عشرة في باريس،على مقربة  من محطة مترو الأنفاق بولفار باربيص روشوا

 الاغتراب وعلاقته بالإرهاب

العلاقة بين التطرف والإرهاب ، هي علاقة إحساس نفسي بالغربة والاغتراب ، ونزوع سلوكي بالقوة ، فكل متطرف هو كم من مشاعر مكبوتة ناجمة عن غرابة الانتماء أو انفصام الذات عن المجتمع  ، فهو عبارة عن قنبلة موقوتة ، ومشروع إرهابي مؤجل  لشحنه من طرف شيوخ الفتنة و منظري الفكر السلفي التكفيري بانتظار إيجاد الظروف الملائمة و الوسائل المتاحة للانفجار في وجه المجتمع  . فجاذبية الخطاب الإعلامي المتطرف تأجج النفوس الضعيفة ، و وسائل التواصل أرض خصبة للإرهاب ومشاكل الاغتراب تزيد الطين بلة ، وتساهم في صناعة الإرهابي

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post هبوط في سعر الدولار
Next post حركة مطار بروكسل تتوقف بسبب حريق