كيف يمكن لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا المساعدة في الحد من خطورة الحوادث العسكرية الخطرة؟

مجلة الناتو

لويك سيمونيه وفيرا تومالا يعملان في مكتب الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، قسم التعاون الخارجي. الآراء الواردة في هذا المقال تخص أصحابها ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والدول المشاركة فيها.

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_من دول البلطيق إلى البحر الأسود، نلحظ وجود زيادة مقلقة في عدد المناوشات العسكرية المباشرة بين السفن الحربية والطائرات النفاثة التابعة للاتحاد الروسي وحلفاء الناتو. تزيد هذه المناوشات من خطورة الحسابات الخاطئة أو وقوع حوادث غير مقصودة قد تؤدي إلى تصاعد التوتر بل قد يصل الأمر إلى حد المواجهة المباشرة. تقدم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) نظامًا مفيدًا يتم من خلاله التعامل مع هذه القضية الملحة، وذلك من خلال مجموعة فريدة من التدابير التكميلية لتعزيز الحد من التسلح وإجراءات بناء الثقة والأمن بين الطرفين.تشهد منطقة البلطيق، التي طالما كانت منطقة احتكاك رئيسية بين حلف الناتو وروسيا، مؤخرًا مناوشات مباشرة ويقال إنها خطيرة بين السفن الحربية والطائرات النفاثة الروسية ومثيلاتها التابعة للحلف. في 12 أبريل عام 2016، رصدت المدمرة الأمريكية التي تحمل صواريخ موجهة يو إس إس دونالد كوك حدوث مناوشات عديدة من قبل عدد من الطائرات الروسية النفاثة فائقة السرعة على مسافة قريبة، أثناء عبورها المياه الدولية قبالة ساحل بولندا. وبعد بضعة أيام خلال تحليق طائرة استطلاع أمريكية فوق بحر البلطيق تعرضت لتطويق من مقاتلة روسية، على مسافة قريبة تصل إلى 30 قدمًا من الطائرة الأمريكية. لم تكن منطقة البلطيق المنطقة الوحيدة المعنية بهذه المناوشات. ففي 7 سبتمبر، احتجت السلطات الأمريكية على الاعتراض “الخطير” الذي قامت به إحدى المقاتلات الروسية لطائرة أمريكية كانت تُجري دوريات فوق البحر الأسود. وفي 22 سبتمبر، اعترضت القوات الجوية الفرنسية طائرتين استراتيجيتين من نوع توبوليف تو-60 بلاكجاك على بعد أقل من 100 كيلو متر من الساحل الفرنسي.وسجلت شبكة القيادة الأوروبية أكثر من 60 حادثة من هذا النوع في الفترة بين مارس 2014 وأغسطس 2015، حيث تم تناول هذه الظاهرة المقلقة مؤخرًا وطرحها للمناقشة فيوزرشة عمل تضم خبراء تم تنظيمها بالاشتراك مع معهد إيجمونت في بروكسل. يجب النظر إلى هذه الحوادث جنبًا إلى جنب مع “المناورات العسكرية المفاجئة” التي تجريها روسيا منذ عام 2013، والتي تتضمن النشر السريع لأعداد كبيرة من القوات. وبعد القرارات التي اتخذها قادة الحلف في قمة ويلز في سبتمبر 2014، اتخذ حلف الناتو عددًا من الخطوات لتعزيز دفاعه وخططه الجماعية بهدف إنشاء أكبر بنية هيكلية له في شرق أوروبا منذ عقود. من وجهة النظر الروسية، فإن زيادة عدد المناورات العسكرية لحلف الناتو، هو ما أدي إلى تعزيز وجود بنيتها التحتية العسكرية في شرق أوروبا، كما أن احتمال زيادة التوسع شرقًا من جانب الحلف يمثل تهديدًا للأمن القومي الروسي. علاوةً على هذا، يعد تعليق التعاون العملي المدني والعسكري بموجب قرار المجلس المشترك بين حلف الناتو وروسيا منذ أبريل 2014 – على خلفية الصراع في أوكرانيا واحتلال روسيا غير الشرعي وغير القانوني لشبه جزيرة القرم وضمها – جزءًا من “سيناريو الحرب الباردة” هذا المشار إليه في مؤتمر الأمن في ميونخ في فبراير عام 2016. أظهر إسقاط الطائرة الروسية Su-24 بواسطة الطائرة التركية F-16 في منطقة الحدود الروسية التركية، في 24 نوفمبر عام 2015، مدى إمكانية تسبب المناوشات العسكرية المباشرة في زيادة خطورة الحسابات الخاطئة أو وقوع حوادث غير مقصودة قد تؤدي إلى تصعيد التوتر وحتى المواجهة المباشرة بين روسيا والغرب. لهذا السبب فقد أكدت لجنة الشخصيات البارزة المعنية بالأمن الأوربي ، التي تم إنشاؤها في عام 2014 بواسطة ترويكا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في خطوة أولى ذات أهمية بالغة، على الحاجة إلى اتخاذ تدابير أكثر فاعلية للحد من مخاطر الحوادث العسكرية أو الأحداث التي قد تخرج عن السيطرة. في هذا السياق، ينبغي أن تركز استعادة الثقة العسكرية على زيادة الشفافية العسكرية، لا سيما فيما يتعلق بالمناورات “المفاجئة”، وتحسين تدابير الحد من المخاطر لتجنب الحوادث العسكرية ومنع التصعيد المحتمل والتصعيد المضاد. يوجد عدد من الترتيبات الثنائية وقنوات التواصل منذ الحرب الباردة ويمكن تحديثها لصياغة جيل جديد من اتفاقيات منع وقوع الحوادث الثنائية في المجال الجوي الأوربي الأطلسي. بالتوازي، قد تمثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ساحة مفيدة وشاملة لمناقشة الحوادث العسكرية الخطرة واستئناف الحوار حول الشفافية العسكرية بين روسيا والدول الأعضاء في حلف الناتو. وثيقة فيينا بشأن الشفافية العسكرية والقدرة على التنبؤ – أحد ركائز المكتسبات السياسية العسكرية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا – توفر إطار عمل ذا قيمة لبدء التأمل والتفكير.

وثيقة فيينا

تحظى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بسمعة جيدة في التعامل مع الجوانب السياسية العسكرية للأمن. وتلعب المجموعة الفريدة من التدابير التكميلية لتعزيز الحد من التسلح وإجراءات بناء الثقة والأمن بين الطرفين التي تقدمها المنظمة دورًا رئيسيًا في تعزيز الأمن في أوروبا وتعد عنصرًا أساسيًا من عناصر نهجها الأمني الشامل. على وجه الخصوص، تمثل وثيقة فيينا، وهي وثيقة ملزمة سياسيًا تم اعتمادها في عام 1990، مصدرًا مهمًا للمعلومات لجميع الدول الـ 57 المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا . وهي تدعم تبادل المعلومات بشأن التخطيط الدفاعي، والميزانيات العسكرية، والقوات والتشكيلات العسكرية، وبيانات وخطط نشر الأسلحة الرئيسية وأنظمة التجهيزات، والأنشطة العسكرية. كما أنها تيسر الاتصالات العسكرية، والتعاون العسكري، وإجراءات بناء الثقة والأمن الإقليمي. تعمل الوثيقة أيضًا كأداة سياسية لمنع الصراعات، والحد من المخاطر والإنذار المبكر. ووفقًا لما ورد في الفصل الثالث بها، تتشاور الدول المشاركة وتتعاون مع بعضها البعض بخصوص أي أنشطة غير عادية أو غير مجدولة لقواتها المسلحة خارج مواقعها العادية في وقت السلم (para. 16); ولا بد أن تكون هذه الأنشطة ذات أهمية كبيرة عسكريًا وتثير مخاوف أمنية من الدول الأخرى. تم استغلال هذا الشرط بشكل واسع في عام 2014، بعد أزمة أوكرانيا التي استدعت الفصل الثالث: تم تقديم 21 طلبًا للتشاور والتعاون بخصوص الأنشطة العسكرية غير العادية في إطار وثيقة فيينا. وأدى هذا إلى عقد أربعة اجتماعات مشتركة لمنتدى التعاون الأمني – الذي يمثل هيئة مستقلة لاتخاذ القرارات حيث يجتمع مندوبو الدول المشاركة أسبوعيًا من أجل التشاور بشأن الاستقرار العسكري والأمن – والمجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مارس وأبريل من عام 2014. تلتزم الدول المشاركة أيضًا بالتعاون بشأن الحوادث الخطرة ذات الطابع العسكري لتجنب أي سوء فهم محتمل وللتخفيف من تأثيرها على الدول الأخرى (para. 17). على الرغم من هذا، لم تُستخدم هذه الفقرة مطلقًا ولم يتم مطلقًا تعريف “التنسيق” (أي نموذج “للإخطارات” التي يجب استخدامها في شبكة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في ظروف معينة) ذي الصلة. ستعتمد الاستفادة من وثيقة فيينا بهدف محاولة معالجة مشكلة الأحداث العسكرية الخطرة على مجموعة من الالتزامات العملياتية المطبقة بالفعل. ويجب تنفيذها بما يتوافق مع اللائحة التأسيسية بين حلف الناتو وروسيا لعام 1997 بشأن العلاقات المشتركة، والتعاون والأمن، حيث “ستسعى خلالها الدول الأعضاء في حلف الناتو وروسيا لتحقيق مزيد من الشفافية، والقدرة على التنبؤ والثقة المتبادلة فيما يتعلق بقواتهم المسلحة” و”ستمتثل بشكل كامل للالتزامات التي تقرها وثيقة فيينا.” يجب أن تتسق الوثيقة أيضًا مع أهداف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وتاريخها باعتبارها منتدى للنقاش حول المشكلات السياسية العسكرية. وعلى عكس الخيار المتاح لحلف الناتو وروسيا، يجب أن تكون الوثيقة شاملة بطبيعتها من البداية، بحيث تتضمن جميع الدول في المجال الجوي من فانكوفر إلى فلاديفوستوك. كانت البيئة الأمنية المتغيرة والتطورات في التقنيات والعمليات العسكرية على مدار العشرين سنة الماضية تتطلب مواءمة أنظمة الحد من التسلح وأنظمة بناء الثقة والأمن الخاصة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما في ذلك وثيقة فيينا، بالإضافة إلى إعادة تقييم تدابير بناء الثقة والأمن في أوروبا ودورها. ومنذ تطبيقها، تم تحديثها ثلاث مرات (1992، 1994، 1999) قبل بدء سريان إصدار جديد من وثيقة فيينا في 1 ديسمبر عام 2011. ووفقًا لهذا الإصدار الأحدث، يتعين على الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تنظيم اجتماع خاص كل خمس سنوات أو أكثر بشكل متكرر لتجديد الوثيقة – لذلك فقد تقرر إصدار النسخة الأحدث منها في عام 2016 على أقصى تقدير.

تحسين إدارة الحوادث

وجّهت الأزمة التي وقعت في أوكرانيا وحولها الاهتمام إلى أوجه القصور في الفصل الثالث. وهذا هو السبب الذي جعل الجهود المبذولة في منتدى التعاون الأمني تستهدف التعامل مع الأنشطة التي تتضمن احتمال إحداث حالة من القلق والأساليب الممكنة لتحسين الثقة بالإضافة إلى الحد من حالات التوتر. من بين المبادرات الأخرى، فإن الاقتراح المشترك لمجموعة الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (بقيادة بولندا بوصفها راعيًا رئيسيًا) لإصدار مشروع قرار بشأن “تعزيز التعاون المشترك فيما يتعلق بالمخاطر أو الحوادث الخطرة ذات الطابع العسكري” يركز على الفقرة 17 بوجه خاص: “يجب أن تسعى الدول المشاركة التي تجري أنشطة عسكرية في منطقة تطبيق تدابير بناء الثقة والأمن، لاسيما في حالات تزايد التوتر العسكري، إلى منع أي إجراءات قد تؤدي إلى مخاطر أو حوادث خطرة ذات طابع عسكري وتقديم معلومات حول هذا النشاط للدول الأخرى المشاركة في أقرب وقت ممكن، ويفضل هذا قبل بدء أي نشاط من هذا النوع.” يتضمن هذا الاقتراح المشترك عناصر جديدة أخرى ذات صلة بإجراءات الحد من المخاطر مثل كيفية إدارتها في الوقت المناسب، والطرق الفعالة للتحقيق في تفاصيل حوادث معينة، وكيفية تجنب تكرارها. يوضح الاقتراح بمزيد من التفصيل المتطلبات الخاصة بالإبلاغ عن الحوادث، مع وضع حدود زمنية لتقديم المعلومات والتوضيحات الإضافية، وتوفير إمكانية عقد اجتماع بين الدول التي تشترك قواتها المسلحة في الحدث لتوضيح ملابسات الحدث.

قد تتضمن العناصر الإضافية تعريف مفهوم “الأنشطة العسكرية غير العادية” بطريقة قد تتضمن مفهوم الحوادث العسكرية الخطرة بشكل أفضل. علاوةً على ذلك، يمكن تقديم إجراءات مماثلة للاتفاق بين الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية حول منع الأنشطة العسكرية الخطرة، مثل إمكانية تعزيز الشفافية واتخاذ تدابير جديدة أكثر صرامة خاصة بنشر القوات العسكرية وإجراء مناورات خارج مواقعها في وقت السلم بالقرب من الحدود الدولية. كما يمكن وضع تصور لتدابير محددة لضبط النفس وقت الأزمات. وقد تؤدي أيضًا صياغة تدابير إقليمية وشبه إقليمية لبناء الثقة والأمن والأنظمة المرتبطة بالحدود المحددة، لا سيما في مناطق التوتر المتصاعد، إلى توفير قيمة إضافية. بدلاً من إنشاء آلية تحقق فعالة جديدة، يبدو أن اتخاذ خطوات أصغر نحو تعزيز الشفافية والثقة في وقت الأزمات قد يزيد احتمال التوصل إلى اتفاق جماعي والتوافق مع السياق السياسي الشامل. قد تعطي تدابير بناء الثقة والأمن الهادفة رسالة واضحة بالتخلي عن الخيارات الأكثر خطورة – وكان هذا هو التقييم الصريح للمشاركين في فعالية أيام الأمن الخاصة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا فيما يتعلق “باستعادة بناء الثقة العسكرية، والحد من المخاطر والحد من التسلح في أوروبا” التي أقيمت في فيينا في أكتوبر عام 2016.

منتدى لمناقشة الحوادث العسكرية الخطرة

بخلاف وثيقة فيينا، ينبغي استخدام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشكل مكثف كأساس للحوار الأمني حول الجوانب الخلافية. وقد أيد المشاركون في فعالية أيام الأمن لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجهة النظر هذه “من المواجهة إلى التعاون المشترك: استعادة التعاون الأمني المشترك في أوروبا“في برلين في يونيو عام 2016. طالب زير الخارجية الألماني فرانكوالتر شتاينمير– الذي يعد أيضًا رئيسًا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 2016 – مؤخرًا باتفاق جديد مع موسكو للحد من التسلح بهدف تجنب تصعيد التوتر في أوروبا ولإعادة بناء الثقة، وهي الأهداف التي من أجلها أنشأت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هذا المنتدى. من بين المجالات الخمسة التي يجب أن يشملها هذا التمهيد للحد من التسلح بالأسلحة التقليدية الاتفاقيات التي توضح الحدود العليا الإقليمية، والحد الأدنى للمسافات وتدابير الشفافية (خاصةً في المناطق ذات الحساسية العسكرية، مثل دول البلطيق). يمكن لمنتدى التعاون الأمني، باعتباره جزءًا من الاقتراح الوارد في الفقرة 17، توفير مساحة لتبادل وجهات النظر بشكل منتظم بشأن الحوادث العسكرية الخطرة، بما في ذلك تأثيرها على حركة الطيران المدني. على الرغم من أنه قد توجد ضرورة لتجنب الجدل اللاذع بشأن ادعاءات تحمل المسؤولية عن حوادث معينة، فهذا قد يوفر فرصة لجميع الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للتعبير عن مواقفها بشأن خطورة الأحداث، وأسبابها، ومدى كفاية الترتيبات القائمة – أو عدم كفايتها –، بما في ذلك الترتيبات الثنائية. وقد يساعد هذا الحوار أيضًا في زيادة الوعي بالمشكلة بين جميع دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومن الممكن أن يؤدي إلى توفير توضيح شامل بشأن ما يشكل حوادث “خطيرة” أو “محفوفة بالمخاطر”. يمكن أيضًا استخدام ندوات ذات عقيدة عسكرية عالية المستوى خاصة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (تم عقد أحدث ندوة في فبراير عام 2016) لإحداث هذا التأثير. وأخيرًا وليس آخرًا، إذا كان ينبغي اتخاذ إجراءات متابعة للتحقيق في المناوشات، فمن الممكن أن تمثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا جهة خارجية محايدة لإجراء مهام تقصي الحقائق هذه. توفر أيضًا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إطار عمل منتظمًا للاتصالات العسكرية بين الدول الأعضاء في حلف الناتو وروسيا. في الواقع، دعم حلف شمال الأطلسي مؤخرًا استخدام وثيقة فيينا، وبشكل أعم، منظمة الأمن والتعاون الدولي باعتبارها أساسًا للتقدم نحو الشفافية العسكرية.

الاستجابة لدعوة الناتو

تمت إثارة مشكلة الحوادث العسكرية الخطرة والحاجة إلى مزيد من الشفافية العسكرية في المجلس المشترك بين حلف الناتو وروسيا في 13 يوليو عام 2016، حيث قدمت روسيا اقتراحاً حول السلامة الجوية فوق بحر البلطيق. بالتوازي، تمت دعوة ممثلين عن الدول الأعضاء في حلف الناتو، بما في ذلك بولندا ودول البلطيق، بالإضافة إلى الدول الشركاء لحلف الناتو؛ فنلندا والسويد إلى موسكو لعقد محادثات في سبتمبر حول القضايا المشتركة، بهدف الحد من المخاوف المتبادلة التي أُثيرت نتيجة التحركات العسكرية المتزايدة بالقرب من الحدود. كما جدد الأمين العام لحلف الناتو جينس شتولتنبرج بشكل منتظم عرض الحلف لروسيا لتحديث وثيقة فيينا وأنظمة الحد من التسلح الأخرى وتعزيزها بشكل مشترك لزيادة الاستقرار والشفافية. “وقد صرح  أن حلف الناتو يدعم بقوة جهود تعزيز الآليات التي لدينا لتحقيق الشفافية والقدرة على التنبؤ بالإضافة إلى تحديث وثيقة فيينا،“، حيث يدعو الجميع إلى المشاركة البناءة في العمل واسترجاع المقترحات الملموسة التي وضعها عدد من الحلفاء على جدول الأعمال بخصوص كيفية تجديد الوثيقة. في الوقت الذي يحدث فيه تضخم لأنواع مختلفة من المؤسسات في المنطقة الأوروبية الأطلسية، من المهم تجنب المنافسة والازدواجية. كما ينبغي التأكيد على دور حلف الناتو في “تمكين” منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من إعادة تنشيط وثيقة فيينا و”تقسيم مهام العمل” المقابل بين المنظمتين لضمان وجود علاقات تتميز بالقدرة على التنبؤ، والثقة والاستقرار وتقدير أهمية هذا الدور. لقد أثبتت وثيقة فيينا أهميتها في الأجواء التي يطلق عليها “الظروف الجوية السيئة”. في حقيقة الأمر، إنه من النادر منذ انتهاء الحرب الباردة أن شهدت العلاقات الدولية في المنطقة الأوروبية الأطلسية توترًا كما هي عليه الآن. كما أكدت الحوادث العسكرية الخطرة على ضرورة الاستفادة من جميع الأدوات المتوفرة متعددة الجوانب، بما في ذلك الأدوات التي تدخل في إطار البعد السياسي العسكري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا المتعلق بالأمن، للتأكيد على الشفافية والاستقرار. بالطبع، لا يمكن للوثيقة وحدها منع نشوب حرب من جديد. كما أن تدابير بناء الثقة والأمن ليست علاجًا لجميع المشكلات الأمنية الدولية، فهي لا تشكل إلا جزءًا من نتائج عملية تعاونية أوسع لإعادة تكوين العلاقات بين الدول. لكن بالتأكيد يمكن لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا المساعدة في الحد من التوتر والصراعات وتحسين الثقة، طالما تبدي الدول المشاركة الإرادة السياسية والاهتمام المشترك، وتتجنب السعي لاستغلال المخاطر من أجل تحقيق مكاسب.

مجلة الناتو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post قراءة في كتاب -خمس ديمقراطيات صاعدة وقدر النظام الليبرالي الدولي
Next post لماذا نجح الاتحاد الاوروبي وفشلت الجامعة العربية؟