النقاش النووي وحلف الناتو
مجلة الناتو
كاميل جراند هو مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية، وهي مؤسسة فرنسية رائدة في مجال الدفاع والأمن، منذ عام 2008. تقلد في السابق مناصب عليا في وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الخارجية الفرنسية. شارك في الكثير من لجان الخبرات السياسية الكبرى التي عُقدت حول حلف شمال الأطلسي، والأمن الأوروبي والسياسة النووية ونشر كثيرًا حول قضايا ذات صلة.
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_لأكثر من عقدين، اختفى النقاش النووي عن محور المناقشات الإستراتيجية الغربية. كان التصور العام داخل الحلف أن الناتو لا يواجه تهديدات مباشرة على أراضيه أو حدوده. كان حلف الناتو محاطًا بعدد كبير من “الشركاء”، يطمح الكثير منهم إلى الحصول على عضويته. كان يبدوا أن تهديد الأسلحة النووية بعيدًا، وركزت المناقشات على مخاطر انتشار الأسلحة النووية أو إمكانية إخلاء العالم منها. تغير هذا الوضع بشكل جذري في السنوات القليلة الماضية. حيث تُحدّث القوى الكبرى والإقليمية من قوتها النووية وتمنحها دورًا محوريًا في موقفها الاستراتيجي الأوسع. في هذا السياق، عاد مفهوم الردع وأصبح حلف الناتو في حاجة إلى إعادة إنشاء منظومة دفاع وردع قوية وجديرة بالثقة لمواجهة التهديدات الكثيرة والمتنوعة، وهو موضوع سيكون على رأس جدول أعمال قمة حلف الناتو في وارسو في أوائل يوليو. يتواجد البُعد النووي بشكل قوي في هذا النقاش.
التغيرات في السياق الأمني
في الشرق، تمثل أحداث أوكرانيا والموقف الجديد لروسيا تحديًا لأسس الأمن الأوربي. للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، قد يتم اختبار وضع الدفاع والردع لحف الناتو – ويجري بالفعل اختباره إلى حد كبير – بالتحركات التي قامت بها روسيا. تتعلق كل هذه المخاوف بشكل كبير بتطوير روسيا لتكتيكات مختلطة قد يكون ردعها أكثر صعوبة من ردع الحرب التقليدية. علاوة على ذلك، تناور روسيا وتستخدم النطاق الكامل من الأدوات غير العسكرية والعسكرية، التي تتنوع ما بين الهجمات الإلكترونية، والهجمات بالوكالة، والقوات الخاصة، والقدرات التقليدية التي تشكل تهديدات نووية ضمنية أو صريحة بما في ذلك ما يتم في مرحلة مبكرة من الأزمات. تتبنى روسيا بنجاح سياسة “التحصين العدائي” بامتلاك عنصر نووي مهم، ومن خلاله لن تتردد في استخدام القوة التقليدية وتوصيل رسالة نووية لردع التدخل الخارجي الذي يعارض سلوكها العدواني تجاه جيرانها المباشرين أو غيرهم. من الناحية العملية، طورت روسيا موقفًا دفاعيًا متكاملاً، يجمع بين القدرات النووية والتقليدية في عقيدتها، وتدريباتها ومناوراتها. وبخلاف سياسة روسيا النووية، من المهم للحلف وضع مخاطر الانتشار الصاروخي والنووي المستمر في الشرق الأوسط، وظاهرة سباق التسلح النووي في آسيا في الاعتبار، حيث قد يؤدي ذلك إلى تغير الموقف الأمني للحلف. تشير كل هذه التطورات إلى أن القرن الحادي والعشرين قد يزداد فيه التسلح النووي عما كان متوقعًا. علاوة على ذلك، تبين سياسات الوافدين الجدد بالإضافة إلى سياسات بعض الدول التي تملك بالفعل أسلحة نووية أنه لا يمكن التخلص من خطر استخدام هذه الأسلحة وأنه من الضروري الحفاظ على منطق الردع. وقد بدأت بالفعل عمليات مراجعة موقف الردع والدفاع لحلف الناتو وتعزيزه ومنحه دفعة كبيرة منذ قمة ويلز واستمر ذلك حتى قمة وارسو. وبخلاف خطة وضع الاستعداد، يظل من المهم للغاية توصيل رسالة صحيحة حول النطاق الكامل لقدرات حلف الناتو، حيث لم يعد من الممكن التعامل مع الردع على أنه أمر مسلّم به، لمواجهة التحديات القادمة من الشرق ومن أي مكان آخر.
البُعد النووي لحلف الناتو في القرن الحادي والعشرين
على مدى العقدين الماضيين، كان البُعد النووي لموقف ردع حلف الناتو هامشيًا. ركزت النقاشات حول التسلح النووي داخل الحلف إلى حد كبير على جانب نزع السلاح، مما ساهم في مخاطر إغفال الغرض الأساسي من القدرات النووية للحلف. بالنسبة إلى الحلف، تلعب الأسلحة النووية دورًا فريدًا ومحددًا في موقف الردع الخاص به. يتمثل دورها في منع حرب كبرى، وليس إشعال الحروب. حتى إذا كانت روسيا تميل إلى خفض قدرتها النووية ويبدو أنها تتصور احتمالية استخدام مبكر للأسلحة النووية في أزمة أو صراع، لا يتعين على الحلف تبني هذه السياسة وإتباع هذا المسار الخطير. على العكس تمامًا، يمكن لحلف الناتو والحلفاء الذين لديهم قدرات نووية التأكيد على أنهم دول نووية مسؤولة ترى أن الأسلحة النووية هي أسلحة الملاذ الأخير التي لا تستخدم إلا في أقسى الظروف. ومع هذا يتعين على حلف الناتو إرسال إشارة إلى روسيا، أو أي خصم نووي محتمل آخر، بأن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الحلف من شأنه أن يحول طبيعة الأزمة مباشرةً. وكما قال الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرج في مطلع هذا العام في مؤتمر أمن ميونخ الذي عقد في فبراير: “ينبغي ألا يظن أحدًا أن الأسلحة النووية قد تستخدم كجزء من صراع تقليدي. إنها ستغير من طبيعة أي صراع بشكل جذري.”
هل يحتاج حلف الناتو إلى تغيير موقفه؟
لا يلزم إحداث تحول جذري في الموقف النووي للحلف في الأعداد أو الانتشار في ظل الظروف الحالية، حيث لا ينوي حلف الناتو أو الدول الغربية التي تملك أسلحة نووية المشاركة في سباق تسلح نووي مع روسيا أو أي خصم محتمل آخر. ينبغي على جميع التحالفات المعنية متابعة عملية التحديث التي يتم إجراؤها على مكون الطائرات ذات القدرة المزدوجة المحمولة جوًا بصورة فعالة، لمواصلة نقل تصميم حلف الناتو على الحفاظ على قدرة ردع موثوق بها. لا تعد القنابل النووية B-61 التي تحملها هذه الطائرات أسلحة تكتيكية، لكنها تُستخدم لغرض استراتيجي: ردع حرب تقليدية أو نووية كبرى. يتعين على القوات المشاركة في مهمة نووية إجراء مناورات بشكل علني ومنتظم، دون تقويض لطبيعتها المحددة. لا ينبغي أن تتضمن هذه المناورات الدول التي لديها قدرات نووية والدول التي لديها طائرات ذات قدرة مزدوجة فحسب، بل ينبغي أن تتضمن أيضًا حلفاء آخرين ليس لديهم قدرات نووية – لنؤكد مرة أخرى بشكل قاطع على وحدة التحالف. لوضع عبء الشك على الخصوم المحتملين، لا ينبغي أن تشير المناورات إلى أي حدود نووية معينة. لكن هناك العديد من المخاطر المرتبطة بدمج المناورات النووية في المناورات التقليدية بشكل كامل: أولاً، قد يمثل هذا الدمج “خطًا أحمر” يمكن اختباره بشكل أسرع مما هو متوقع. ثانيًا، قد يتعارض هذا مع سياسات الحلفاء الثلاثة أصحاب القدرات النووية، حيث يؤكد جميعهم لعقود على الطبيعة السياسية للأسلحة النووية والالتزام بمبادئ السيطرة السياسية الصارمة.
وأخيرًا – وبحسب ما تم إقراراه منذ قمة حلف الناتو عام 1974 في أوتاوا – فإن المواقف الثلاثة المختلفة للحلفاء أصحاب القدرات النووية (فرنسا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) ووجود عدة مراكز اتخاذ قرار في كل منهم ساهم في تشكيل قدرات الردع العامة لحلف الناتو. وعلى الرغم من تقارب السياسات النووية على نطاق واسع، توجد فروق بسيطة بين واشنطن ولندن وباريس بشأن الموقف النووي والعقيدة النووية لكل منهم. ومع هذا تسهم هذه الفروق في تعزيز الردع العام للحلف من خلال خلق شكوك إضافية في ذهن أي خصم محتمل. موقف فرنسا المحدد خارج مجموعة التخطيط النووي محفوظ في التاريخ وفي الدور الرئيسي الذي تم إسناده إلى الرئيس الفرنسي لاتخاذ القرارات النووية في جميع الظروف. ومع هذا، لعبت فرنسا دورًا رئيسيًا في المناقشات النووية لحلف الناتو لعقود وستواصل هذا الدور، مثلما يسهم الردع الفرنسي في الردع النووي العام للحلف.
العناصر التقليدية والنووية للردع والدفاع
يتضمن موقف الدفاع والردع لحلف الناتو مزيجًا مناسبًا من القدرات النووية والتقليدية لكنه لا يتطلب محاكاة قدرات وسياسات روسيا أو أي دول أخرى تملك أسلحة نووية ليست عضوًا في حلف الناتو. في المستقل القريب، سيكون الهدف الأساسي من هذا الموقف هو تكوين ردع لدى حلف الناتو تجاه أي خصم محتمل. لتحقيق هذا الهدف، يلزم توفر متطلبات الردع التالية. وبحسب ما تم تقريره في ويلز، يحتاج حلف الناتو إلى تحسين استعداده في جميع المجالات ومعالجة ثغرات تقليدية محددة بعد تحديدها، مثل مواجهة تهديدات منع الولوج/المناطق المعزولة (A2AD). كان دور أسلاك التعثر البسيطة مهمًا خلال الحرب الباردة، لإقناع معاهدة وارسو بأن أي هجوم على أي حليف لحلف الناتو يمثل هجومًا على الحلف. لم يتضمن ذلك الدفاع التقليدي المؤمن ضد الفشل من أعلى الشمال إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط أو الاعتماد المفرط على الأسلحة غير النووية، لكن تم التركيز بدلاً من ذلك على المصداقية العسكرية والسياسية للحلف. يحتاج حلف الناتو إلى أن يكون أكثر وضوحًا وتحديدًا بشأن الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في منظومة الردع والدفاع للحلف. تضعف باستمرار لغة الحلف الخاصة بالردع – خاصة عندما يتعلق الأمر بالعنصر النووي – في الوثائق المختلفة ذات الصلة مثل البيانات والمفاهيم الاستراتيجية الصادرة عن القمم المنعقدة منذ نهاية الحرب الباردة. كان لهذا تأثير ضار على ردع الحلف، حيث يجعله أكثر غموضًا وأقل تحديدًا. حتى في عدم وجود مراجعة مهمة للموقف، تعد الرسائل الواضحة ضرورية، حتى لا يشك الخصوم المحتملين في عزيمة الحلف. وعلى حد تعبير المحلل الاستراتيجي النووي هيرمان كان: “أفضل طريقة لإظهار العزم في بعض الأوقات هي أن تكون عازمًا ببساطة.” من هذا المنظور، فإن الهدف الأول هو أن يصل اليقين إلى ذهن الخصم المحتمل بأن أي هجوم على أي حليف لحلف الناتو سيستدعي الرد الفوري، ويطلق العنان للنطاق الكامل لمجموعة القدرات العسكرية الهائلة الموجودة لدى الحلف. لتحقيق هذا الهدف، تمثل الوحدة السياسية للحلف أساس إظهار العزم. وكما أشار الأمين العام في خطابه في ميونخ: “يبدأ الردع بالعزم. لا يكفي أن تشعر به. يتعين عليك أيضًا إظهاره.” وينطبق هذا الأمر على كل من المجال التقليدي والنووي.
ما هي الخطوات التالية لحلف الناتو؟
تسهم القدرات التقليدية والنووية على حد سواء في تكوين ردع قوي وهي مترابطة سياسيًا، حتى إذا كانت تنتمي إلى مجالات مختلفة. مع الأخذ في الاعتبار النقاط المثارة أعلاه، يمكن استنتاج بعض التوصيات فيما بتعليق بالسياسة وينبغي البدء في تنفيذها في قمة وارسو، وهذا ما نأمله.
- يعد وجود مجموعة قدرات تقليدية قوية (بما في ذلك الدفاع الصاروخي) أمرًا أساسيًا لموقف الردع والدفاع لحلف الناتو، وذلك لأن المصداقية السياسية للاعتماد المفرط على القدرات النووية قد تكون موضع شك. ستلعب معالجة الثغرات في القدرات التقليدية ومواصلة السعي لبذل جهود كبيرة لدعم الإنفاق على الدفاع الذي بدأ في ويلز، دورًا رئيسيًا في استعادة مصداقية الردع لحلف الناتو. إن الاعتماد الوحيد على القدرات النووية ليس كافيًا، حيث قد يشك الخصوم المحتملين في العزم النووي للحلف. ومع هذا، يلعب الردع النووي دورًا أساسيًا في حرمان الخصوم المحتملين من أي هيمنة تصعيدية.
- يعتبر إرسال رسائل واضحة في سياسة الحلف وفي الوثائق العامة، فيما يتعلق بالردع، أمرًا مفيدًا في تجنب إجراء مزيد من الاختبارات لعزم حلف الناتو. لا يسمح السياق الاستراتيجي الجديد بإرسال رسائل ضعيفة أو غامضة.
- يعتبر تعزيز النقاش النووي داخل الحلف أمرًا ضروريًا حيث أدى الانخفاض الكبير في الثقافة النووية، بالإضافة إلى الخبرة المحدودة للعديد من الحلفاء، إلى حالات عدم توازن تكشف عن تباين حاد مع الخصوم المحتملين. ويعد هذا النوع من المناورات على المستوى السياسي مهمًا لإدارة الأزمة المستقبلية عند وقوعها.
- يمكن تسليط الضوء على التأكيد على الملاذ الأخير والطبيعة الرادعة للأسلحة النووية من خلال التعارض المباشر مع المواقف عالية الخطورة التي يتبناها الخصوم المحتملين في بعض الأحيان. ينبغي أن يؤكد حلف الناتو أيضًا على استمرار جميع الحلفاء في الوفاء بالتزاماتهم وتعهداتهم الدولية، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة النووية.
- تحذيرات واضحة تتعلق بحقيقة أن الدخول في مجال الأسلحة النووية (استخدامًا أو تهديدًا) سيغير طبيعة الأزمة بشكل جذري.
يملك حلف الناتو مجموعة فريدة من القدرات التقليدية والنووية – بافتراض وجود بعض التكيف – التي بإمكانها ردع أي خصم محتمل عن اختبار عزم الحلف. تعد الرسائل الاستراتيجية المتعلقة بالردع والدفاع ضرورية لإعادة إنشاء افتراض قاطع بأن الحلف قادر على اتخاذ إجراء حاسم لمواجهة أي عدوان وسيقوم بذلك إذا تطلب الأمر. عمل حلف الناتو على إحلال السلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية على مدى عقود. لعب الردع النووي ولا يزال يلعب دورًا رئيسيًا في هذا الصدد. يمثل الاستثمار في النطاق الكامل للقدرات الخاصة بموقف الدفاع والردع ثمنًا زهيدًا لتحقيق هذا الهدف في القرن الحادي والعشرين.
مجلة الناتو