محمد أمين الكرخي
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_اختتم مهرجان هولندا العالمي للفنون فعاليات دورته السبعين، التي انطلقت في الثالث من يونيو/ حزيران الحالي. وشملت دورته الاستثنائية هذه تقديم خمسين عملاً فنيًا من إنتاج المهرجان، ومائة وأربعين عملاً فنيًا في المسرح والباليه والأوبرا وذلك في المسارح الكبرى والمتوسطة من العاصمة الهولندية أمستردام، إضافة إلى عروض فنية في الحدائق العامة.وافتتح المهرجان فعاليات دورته بعرض موسيقي حمل توقيع الموسيقار الفرنسي لبناني الأصل، بيير عودة.وشهد الافتتاح ترحيبًا كبيرًا بملكة هولندا التي التقت بعدد من الفنانين قبل انطلاق الحفل، وذلك في فضاء “غازفابريك” الفني. وهو الفضاء ذاته الذي شهد عرضًا للمعمارية العراقية الراحلة، زها حديد.يعتبر “مهرجان هولندا العالمي للفنون” أكبر مهرجان فني يقام سنويًا في هولندا، وهو أيضاً من المهرجانات الشهيرة على الصعيدين الأوروبي والدولي، وعلى الرغم من انفتاح المهرجان على النتاجات الفنية من مختلف دول العالم، لكن للعروض الفنية القادمة من ألمانيا وبلجيكا الحصة الأكبر بالمقارنة مع بلدان أخرى.وفي العام 2010 خصص المهرجان لأول مرة في تاريخه حفل الافتتاح لفنان شرقي، حيث قدمت آمال ماهر صحبة أوركسترا قادها الموسيقار المصري – الفلسطيني سليم سحاب، باقة من أغاني أم كلثوم وذلك في مسرح كاريه الملكي. وبعد عام من ذلك أحيت السيدة فيروز حفلاً غنائيًا وصفته الصحافة الهولندية بالأسطوري.
عودة التينور العالمي يوناس كوفمان
بعد يوم من الافتتاح شهدت قاعة كونسريت خباو حفلاً أسطوريًا كان نجمه مغني الأوبرا الألماني، يوناس كوفمان، والذي قدم بمصاحبة فرقة Residentie Orkest الهولندية أوبرات غنائية شهيرة لفاغنر وجوزيبي فيردي. وقاد الأوركسترا القائد الأوركسترالي الألماني، بوخين رايدر، في حفل موسيقي أعاد لأذهان متتبعي الغناء الأوبرالي التعاون المشترك بين كوفمان ورايدر في افتتاح موسم دار الأوبرا السلطانية في مسقط في العام 2015.ومما له أهمية في هذا الحفل هو عودة التينور العالمي الشهير كوفمان إلى الساحة الفنية بعد إلغائه عدداً من الحفلات الأوبرالية على مدار الشهور الستة الماضية، بسبب مشاكل صحية في الشعيرات الدموية للحبال الصوتية. وتضمّن الحفل تكريم السوبرانو الهولندية، إيفا ماريا ويستبروك، التي تحظى بشهرة عالمية واسعة.ويصف النقاد والمتخصصون في الغناء الأوبرالي كوفمان بالصوت الأوبرالي للقرن الحادي والعشرين، فيما تفضّل الصحافة الألمانية وصفه بالتينور الأوحد.
برلمان الأشياء أو الديمقراطية في عصر الأنثروبوسين
على مدار ثلاثة أسابيع شهد مسرح المدينة، ندوات فكرية وحلقات نقاش حول الديمقراطية البديلة التي تمنح عناصر الطبيعة من نباتات وحيوانات إبداء رأيها في ا”لأنثروبوسين” أو العصر البشري الذي يدور حوله الجدل بين الجيولوجيين لإضافته للسلم الجيولوجي وسجل الأرض نظرًا للتأثيرات السلبية التي تركها النشاط البشري على كوكب الأرض. وهذا ما يستدعي سياسات جديدة يمكن وضعها موضع التنفيذ.في الفقرات المخصصة لهذه التظاهرة تابع الجمهور إمكانية أن يكون للأشياء صوت خاص بها تدافع فيه عن مصالحها وتقدم رؤيتها للعلاقة بين الإنسان والطبيعة. وهي الثيمة التي ناقشها الكاتب الهولندي ساني بلومنيك مع عدد من الضيوف. وفي ندوة أخرى ناقش مدير المسرح لوت فان دن بيرغ السؤال التالي: هل من الممكن للناس الحديث نيابة عن الحيوانات والأشياء من حولنا؟ هل من الممكن اتخاذ القرارات نيابة عنهم؟
الديمقراطية والفن
خصص المنظمون ثلاثة محاور رئيسية لدورة هذا العام تضمّن كل قسم منها أكثر من عمل فني. في محور الديمقراطية خاض العديد من الفنانين في القضايا التي تواجه الديمقراطيات الغربية. المخرج المسرحي الإيطالي روميو كاستيلوشي فضّل مساءلة جذور الديمقراطية الأميركية، مستوحياً من كتاب “في الديمقراطية الأميركية” (1835) للمؤرخ والمنظر السياسي الفرنسي ألكسيس دو توكفيل (1805-1859). وانطلاقًا من اعتقاده بضرورة استرداد الطقوس المنسية للمسرح وفي صدارتها مواجهة السياسي وإزاحته من مواقع تحديد مصير الأفراد، سعى كاستيلوشي إلى تقديم رؤية فنية لمفاهيم سياسية ناقشها كتاب دي توكفيل مثل: الرعب في المجتمعات الديمقراطية الناشئة، والتحذير من الجانب المظلم للديمقراطية، والتي يمكن أن تؤدي إلى العنف وطغيان الأغلبية، وصعود الخطاب الشعبوي الذي يهدد الحريات الفردية، وخطر الطاعة العمياء، والتوتر بين مصالح المجتمع والطموحات الفردية في العالم الجديد .وفي فقرة الديمقراطية ذاتها تابع جمهور المهرجان أعمالاً قاربت بين المسرح الوطني في بريطانيا وموضوع الاستفتاء على انسحاب المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي.مسرحية “الأمة” كانت الأكثر نقاشًا وإثارة للجدل بالمقارنة مع العروض المسرحية الأخرى، التي عرضت في محور “الفن والديمقراطية”، وأفردت أغلب الصحف الهولندية الكبرى مساحة واسعة للعمل الذي حمل توقيع المخرج الهولندي إيريك دي فرويدت، الذي التقى بعشرات الأفراد في حي سخلدرسفايك بمدينة لاهاي، وهو الحي المعروف بتنوعه الإثني والقومي، ليعمّق رؤيته لقضايا اجتماعية وسياسية هولندية راهنة منها التعايش بين القوميات والجدل حول العنصرية، ويجمع العمل رجال شرطة عنيفين ومقدمي برامج توك شو ذوي نبرات حادة وموظفي الرعاية الاجتماعية ومسلمين متطرفين، وتتحدث المسرحية عن طفل مفقود ومن خلال الأحداث تنعكس حالة الاستقطاب في المجتمع الهولندي. مسرحية “الأمة” هي المشروع الثاني لإيريك مع فرقة المسرح الوطني الهولندي والذي سيكون مديرًا لها ابتداء من الموسم القادم.صحيح أن اليميني خيريت فيلدرز لم تكن له الحظوظ للفوز في الحملة الانتخابية الأخيرة التي أقيمت في هولندا في مارس/آذار الماضي، إلا أن ذلك لا يعني بأي نحو أن يكون مؤشرًا على زوال الجدل حول العنصرية في المجتمع الهولندي، يقول دي فرويدت في هذا الصدد: “ما زال الوقت مبكرًا للاعتقاد بأن المجتمع الهولندي قد تجاوز التفكير بموضوع العنصرية، أعتقد أننا سوف نبقى مهتمين بهذا الموضوع على مدار العقدين القادمين، وأتوقع أن يزداد الاستقطاب حدة”.واحتفى المهرجان بالموسيقى المعاصرة من مختلف أنحاء إندونيسيا. وشهدت قاعة براديسو حفلات للجيل الجديد من الملحنين الإندونيسيين، حيث تجاور البوب والرقص الشعبي والغناء التراثي القريب من فن “القوالين” الرائج في شبه القارة الهندية. وخص المهرجان فقرة تكريمية تضمنت حفلات موسيقية من توقيع الملحن الأميركي، جورج كرومب، منها العرض الأوروبي الأول معزوفة موسيقية حملت عنوان “تحولات كتاب” أدتها عازفة البيانو مارغريت ينغ تان. كما قدمت ثلاث فرق هولندية ملحمته الموسيقية “الملائكة السوداء ” التي ألفها في سبعينيات القرن الماضي احتجاجًا على سياسة بلاده في حرب فيتنام. ولم يتسن لجورج كرومب الحضور لأسباب صحية.ولم يخصص المهرجان في هذه الدورة مساحة كبيرة للفنانين العرب على غرار الدورات الماضية، حيث تم تكريم كوكب الشرق أم كلثوم واستضافة السيدة فيروز وإقامة معرض لأعمال زها حديد. وقد تمثلت المشاركة العربية في هذه الدورة بمسرحية “مجتمع العاصفة” للفنانة المغربية المقيمة في باريس بشرى خليلي. والعمل يتناول حياة ثلاثة أشخاص من خلفيات مختلفة يؤسسون فرقة مسرحية في أثينا. ويقدمون دراسة للوضع الحالي في اليونان وأوروبا ومنها القضايا المدنية والفن الجماعي. واعتبرت بشرى خليلي هذه التجربة بمثابة تحية لفرقة مسرح “العاصفة” التي نشطت في باريس في السبعينيات من القرن الماضي، وتألفت الجماعة التي واجهت الظلم والعنصرية من المهاجرين الوافدين من شمال أفريقيا ومن الطلبة الفرنسيين.وفي إطار المشاركة العربية يشار إلى فرقة “مشروع النيل” التي أبهرت الجمهور بحفل موسيقي رائع، قدمت فيه أغانيَ من تراث الموسيقية الأفريقية من ألبومها الشهير “أسوان”، بمشاركة ثمانية عشر فنانًا من ست دول تقع على امتداد نهر النيل (مصر وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والسودان وأوغندا) وقد منحت مرجعية النيل حيوية وانسجامًا لأنماط متعددة من مناطق مختلفة تمتد من المرتفعات الإثيوبية وتنتهي بمصبات النيل في البحر الأبيض المتوسط. وقد تفاعل الجمهور الهولندي مع الأصوات العذبة لفنانين ينتمون للغات وثقافات مختلفة.ويمكن إدراج هذا الحفل بانفتاح المهرجان على فنون القارة السمراء على غرار اهتمامه بفنون شرق آسيا. وقد استضاف في دورته الماضية موسيقى كناوة ممثلة بفرقة “أولاد سيدي” المغربية، بقيادة معلم الكناوة الشاب، مهدي ناسولي.وقبل يوم من نهاية المهرجان، شهدت قاعة كونسيرت خباو، إحدى أشهر القاعات الموسيقية في العالم، تظاهرة “PROMS” للحفلات الراقصة. وقد حضر فعاليات هذه التظاهرة أكثر من ستة آلاف شخص من عشاق الموسيقى ممن تابعوا الحفلات الموسيقية من الثالثة بعد الظهر ولغاية الواحدة بعد منتصف الليل.يحق لمنظمي مهرجان هولندا للفنون ومديرته الفرنسية، روث ماكينزي، التي سوف تنتقل للإشراف على مسرح Théâtre du Châtelet في باريس، بإنجاز دورة تستحق صفة الاستثنائية عن جدارة، ولعل جذب 98 ألف زائر لمهرجان شبه نخبوي هو أحد معايير النجاح.
ضفة ثالثة
Average Rating