بين الأنا والإنابة: متابعة نقدية لثلاثة أعمال للأستاذ / الدكتور/ الروائي: عز الديـن جلاوجي .
بقلــم : بـــــادي إبراهيم ، عنـــابـــة 2016
شبكة المدار الإعلامية الأوربية…_قد لا أجد تفسيرا كافيا لإقدامي على اختيار حائط المبكى أو الحبّ ليلا في حضرة الأعور الدّجال أو العشق المقدس ، للمتابعة النّقدية ، و لكنني – أيضا – لا أجد تفسيرا مقنعا لتأخّري عن متابعة هذا الإنجاز الذي أقدم عليه الأستاذ الدكتور الروائي عز الدين جلاوجي بهذه العظمة و هذا الكبرياء .
قد اتّفق و قد أختلف مع الكثير من الباحثين حول كنه المتابعة النقدية من خلال رصد كثير من الظواهر الإبداعية التي تؤسّس لعقيدة أدبية في هذا الوطن الشّاسع – أرضا و كتابة – و قد يصير الموضوع على ما فيه من مواضعه مسرحا للاختلاف ، و قد يجرّنا هذا الكلام إلى التعدّد و تنويع الأسئلة. و هي كلّها محطّات تطيل عمر العمل الأدبي و تؤسّس بأمانة إلى الاعتراف بأنواع المقاربات . و هي لحظة التّأليل التي ندعو إليها و نمارس أحكامها من خلال الدّراسة و البحث و التنقيب. و حتى نكون منصفين فإن العمل القصصي و الرّوائي يستحقّ محطّات للتقديم و المتابعة و أخرى للاستقصاء و الدّراسة .و ممّـا لا شــكّ فيــــــه أنّ المتتــبّـــــع للكتابة و القراءة على حدّ سواء ، يجد مفهوما علائقياّ متجدّدا لا نستطيع نكرانه يدخل النصوص (أ) مع جملة من النصوص (ب) في جدلية سعى الأديب إلى الوقوف حيالها – موقفا حياديا – و إن كان باب التنّاص سواء عند باختين (1928) أو عند جوليا كريستينا (1966) أو عند جيرار جينيت جــــــداثيا يعتقــــــدون بأن تلك شبكة من المعطيـــــــــات اللسانية و البنيوية
و الإيديولوجية التي تروج في النّصوص بالاختصار أو بالتّضخيم ، أو هي كتلة من العناصر كما عند امبرطو إيكو ، لا ينفي عنها تدوير النصوص
و هي في الحالات الرّائجة وجوديا و يبقى باب الاختلاف قائما في عرض مادة الرواية و المقادير التي تحضر أو تغيب و كيفية الاستعانة بها أو الاستغناء عنها .
و قد عمد الرّوائي عز الدين جلاوجي إلى استخدام النّصوص الغائبة بطريقة ما قام بوصلها بمقاطع وصفية لنصوص سابقة و أغرقها في أتوينها ، ثم عمد إلى تنوير و تدوير النّص بنصوص أخرى تعيش على التّخوم في حالة الإفراد أو الجمع – حتى و لو كانت تتخفّى في تركيبة النّص المركزي.صحيح أنّ الروائي يمثّل حلقة من الحلقات بالظّاهر و اللّي ، و صحيح أن نطالبه بعدم التّدخّل إلاّ احترازا و صحيح أيضا أنه لا يسلّم بسهولة من هذه المغامرات الإبداعية إلاّ النزر القليل كما أشار إليه – عبد الله الغذامي في الكنز و التأويل – و لكن الإبداع في نهاية المطاف مسألة ” إبستيمية ” تستدعي الجراءة الكافية في تبرير الامتناع – و الإمتاع
و المؤانسة و تحقيق المساكنة . و هي العملية التي كثيرا ما تقع بين الخالق
و المخلوق و السّارد و المسرود .إنّ العامل اللّوجسيتي مع الإبداع لا يخلق إلاّ الاحتقان لأن السرد إذا أضاع هوية المناورة و إذا ضاع في سرادق المنفى و المنقول و إذا لم تتحقّق بداخله الحركة و السكون الذي يتحرّك و إذا هو آمن بالنيابة في القول و الفعل فإن بعضه أو كلّه تصريف .و النّقدية أنّ كفاءة السّرد و أنماطها و أحكامها و ظروفها تختلف بين المبدعين عبر ألياف الكتابة و كتابة الكتابة ، و قد يصل الاختلاف إلى الترويج للمحظور في سبائك الذّهب أنّني أمام ظاهرة جلاوجية تستطيع أن تمارس الحكي و المناورة من خلال هذا الضّمير الذي كنت دوما أدينه لأمراضه و إدرائه التي كرّسها كفعل يمارس لحظة بلحظة لعبة الاسترقاق / لحظة التّجني .إنّ التّبئير الذي راج في الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية تبئير تقليدي من النموذج الأوّل – و قد تفنّن فيه كتّابه و أبدعــــوا
و طبعوا جيلا من القرّاء و استدرجوهم إلى عوالمهم التي تعبق بالمحبّةو الوطن ، و قد تبعهم جيل من الكتاب باللغة العربية و صحيح أيضا أن ثورة في عوالم النّص و القصّ و السّرد قد استحدثت من لدن جيل جديد يتوق إلى الحرية و الاختلاف بالعربية و الفرنسية مثل : رشيد ميموني و الطاهر جاووت و وسيني الأعرج عز الدين جلاوجي أحلام مستغانمي و أمين الزاوي و بشير مفتي غير إني و بعصبية أدّعي أن لعز الدين جلاوجي نكهة روائية خاصة هدم من خلالها أسوار الإيديولوجيا و نوازع التقليد و طوّع التاريخ و روّع الجغرافيا ، لقد أقدم على هذه الخطوة – منفردا – في صمت و حكمة و كثير من الاختزال .إنّك حين تلج – حائط المبكى أو العشق المقدس أو الحب ليلا في حضرة الأعور الدّجال ، تجد نفسك مقابل نصّ لا يهادن في أدبيته و لا في أكوانه و لا في ثقافته ربما هذه الأخيرة سبب التفوق الذي أسميته : ” مثقف الرواية أو صاحب الرواية التي تحزم أغراض المتلقي – فهو يعتقد أنّ بوسعه الاستمتاع دون احتماء بجدران الوصاية الأدبية السابقة و اللاّحقة. إنّنا أمام الأنت الذي أجّل في نمط السّرد في الرواية الجزائرية إلاّ عرضا و الأنا الذي حوّل الكتابة إلى مخاطرة إملائية تعيش أفانين العسف و التسيّد و الاكتراء من ….. و إلى النّص و من النّص إلى الأنا المريضة سواء بالمخاتلة أو المجاهرة. كان بوسع هذه الأنا في أدبنا الجزائري أن ترحل أو تدان بنمط سرديّ أو أن تلحق بضمير جاذب أو شخصية جاذبة “على قول الأستاذ : حسين بحراوي ” ، و كل شخصية تظهر أو تولد داخل العمل الروائي بهذه المواصفات فهي تشويش فني و احتقان و مهاترة على مستوى النّمط.
كان الروائي عز الدين جلاوجي – على ما أعلم – يدرك تمام الإدراك مقدار الخطورة التي يمثلها هذا الاحتكار الذي يمارس التّحرش حينا و الإلغاء في كثير من الأحيان .أدرك الرّوائي هذا التصريف الفنّي فخلق جوّا ثانيا يتنفس من خلال التقطّعات التي تسترشد بالمكان مرة أو بالأزمنة مرة أخرى ، و قد يحدث أن يتصرف مع الرّوائي بالتوصيف من خلال لحظة الارتماء في توظيف المكان بالإلحاق أو الاستدانة أو التوريط أو محاولة السير من خلال الزّمن الروائي في أروقة أنت لا تعرف عنها أكثر مما لا تعرف هي نفسها عن الاستبيان الذي قد تجيب عنه في حالات السهو أو الانتظار أو الاقتناع .المهمّ في ذلك أن تتعمق في هذا الذي لا ندركه إلا حين نمارس لعبة جديدة من خلال التخفي وراء قراءة تنوب عن الحدث المؤنس أو التقطع المشيء أو كليها – و قد نجد أنفسنا محاصرين بضميرين يختلفان في الاشتراك أو الإنابة ، و يشتركان في المنافسة و التصريف.
قد نتوه إذا راهنا على المقادير التي تمّ احتكارها في المناورات التي يقوم بها الرّاوي كلّما تحدثت نفسه في طلاقة مع هذا الضّمير الذي أنشأ عالما لا تستطيع السّرود أن تردّه أو أن تقلم ما أمكن من تدخلاته التي لا أجد لها تسمية لأن الرّوائي عز الدين جلاوجي يمتلك ثقافة الرواية و ذلك الاحتكار الفني الذي انتهى به التّأليل إلى المراودة ، قد تقرأ النّص أو المقطع أو التيمة بضمير الأنا و الغائب و لا تجد حضورا صوريا لهذا التبئير أو الرؤية أو المنظور إلاّ من خلال القراءة التي تأسرك و تأخذك إلى عوالم التّصويب حين تمارس عليك لعبة الظل .
هذه حالة جديدة من المناورة في عوالم السّرد بالأفراد أو الجميع في تأنيثها أو تذكيره ، هي الحياة التي يتساوى فيها الوجود و العدمية ، قد يحملك الرقم إلى أبعد نقطة في الكتابة و قد تعيدك القراءة أسيرا ، و يضيع منك الاتجاه إنها لحظة الحوسبة الأدبية من خلال النص أو السرد. ربما يمتلك الضمير أحقية أخرى غير تلك التي تراودنا أثناء القراءة و من خلالها و قد ينصهر الضمير المؤجل و المتكلم الغائب في كل محاولة من خلال الممرات الأدبية و الاعتراضات المقصودة و حالات الاحتمال التي تثير الريبة أو الشك أو تموت داخل اليقين .إن النص : ” ما تنقرىء فيه الكتابة أو تنكتب فيه القراءة ” ( 1) و تظل هذه الأحقية الاستثنائية قائمة في الرواية و يظل السرد يفك ألغاز الحجاب الذي يستر المعادلة في المدونة و يثوب من في الداخل إلى الإفلات من قبضة القراءة و يرغب من في الخارج إلى الولوج إلى عوالم السكون و تهديم أسوار المناعة . هي وسائل إبداعية يتوسل إليها الروائي عز الدين جلاوجي و يمارس ضغطا من خلال ثقافتها التي يديرها بكثير من التآلق ، أنت حين تقرأ لهذا الأدبي الكاتب تشعر بأنه يتعفف يحمل المعنى طاقة إضافية أنت لا تقرأ و إنما تتعلم من خلال القراءة ، تقرأ حدود الرواية و تنسحب لتراهن على فيض من النواريس العنكبوتية التي تشدك ، من الصعب أن تقرأ ، و من الصعب أن تتخلص من هذا الأسر ،أنت كما قال شوبنهاور في شأن الجمعية السرية : ” الداخل فيها لا يستطيع أن يقول عنها شيئا و الخارج عنها لا يعرف عنها شيئا .”في العشق المقدس ترحل من خلال النص و الخطاب ، من خلال ثقافتي العين و الأذن ، ترحل إلى زمن ” الفرق و النحل ” و تنتقل بين بؤر من التوتر و الانشغال في الذاكرة ، و يمارس الحضور و الغياب سلطة التفوق و لا تجد أمامك إلا لحظة الترميم التي قد تبهرك بالموروث أو بالفجيعة أو بالتأويل . قد يضيع المركز حين يحول الروائي عز الدين جلاوجي أزمنة الكتابة و أزمنة القص و الحالات الاستثنائية للقراءة إلى بؤر أنت ليست طرفا فيها من الداخل و لكن الشعور الذي يدفعك إليها ألوان القراءة تجعلك شخصية جديدة داخل النص و تصيبك الرغبة و الرهبة و تشعر و أنت تمارس هذه اللعبة أنك القاتل و المقتول معا .ربما هذه رغبة جلاوجية يتقمصها النص و يتثوبها الخطاب ، هو مثل فرانز كافكا : ” جاء إلى هذا العالم بجرح فاغر و ذلك كل متاعه ” .و الأصح أن العملية الإبداعية التي يتوق إليها الروائي عز الدين جلاوجي تختلف من حيث هي جرح غائر في ثقافة الكتابة و الكتابة التي تأسر كل شخص لا يعي و هو يدخل هذا اللابيرانت (2 ) – المحكوم – المسيج – الملغم – الذي دونه في خرافة الكتابة ثم تماهى في تعاطي الاستفهام من خلال الرقمنة الداخلية في – حائط المبكى من (1 إلى 51) .و حين غابت المونيليزا – لاجوكونت – حضرت الصورة التي لم تكتمل بعد . و لعز الدين في حائط المبكى موسم أضاع هوية الائتمان و لم يستطيع أن يغالب به ما تبقى من الجراح . أقصد جراح الكتابة و أشهد أن – حائط المبكى – أقصد الصورة التي لم تكتمل بعد – عنوان غائر له إحالات على النفس و أخرى على الضمير الذي اكتوى على سلم الاعتراف ، وهل للكتابة بالتدوير أن تولد النصوص الذي ظل المكان يخفيها في تفاصيل الاختزال . إن الشخوص التي توسمنا فيها الحضور في أروقة النص كانت كليلة يحكي سكوتها عن فرار الكلام من الذاكرة لم تعد تتحمل الممارسة السرية على ثقل المسؤولية و لكنها لم تقو على الانسحاب من تفاصيل الممارسة .لعز الدين هذه الثقافة السردية الرهيبة في الإنكار و التسليم ، و لكنه حين خضّب العلامات المسؤولة على تحريك الفعل ألهب الوظيفة النصية بتفجير العلامات السردية بالاختلاف ، قد تصادف في العلامة الواحدة شاهدا لا يتفق مع الأيقونة أو الرمز و في ذات الآن يتأبط القارىء في تلافيف المجهول . أنت مجبر أن تعيد القراءة في ” الديني و الاجتماعي و السياسي و كذا الايديولوجي ” .غريب ألا تفهم ، لأنك ستصبح من ألغاز القراءة حين التدوير ، هناك حراك داخلي حلازوني قتال / فتاك يشهد على كثير من الاغتيالات عبر الممرات التي يحدثها الاختلاف على أسوار النص ……
قد لا تجد شاهدا واحدا يستهويك أو يقوم على القراءة الواحدة .
كم هو متعدد فيك السؤال أيها الروائي الذي اعتبره من سلالة الديناميت لأنه يقبل الانفجار و هي الحالة الممكنة في عالم الافتراض.إنك حين تمارس القراءة في رواية ” العشق المقدس أو حائط المبكى” لا تجد من يحميك من هذه الرغبة الاحتكارية / الرسالة التي لا تقبل الشفاعة و لا تعترف بالتشفير المقنن ، و لا تترك مجالا للاختصار هي أيقونة بلا لون و للرائحة فيها حضور آسر ، قد يتشكل فيها المعنى خارج أطر المعرفة ، و قد تنهار أمام هذا السيل الجارح / الجارف من الأسئلة و ما تحتويه من المجاهيل .هي مدينة مفتوحة بالغلق – تستمد روحها من هذا التصريف الذي يسكنأبراج الممانعة داخل النص و من خلاله و خارج ناموس الكتابة . قد لا تجد تبريرا لـ ” حياة / و حورية و هيبة و عبد الله و علال و الروج و عيوبة و هم يتنفسون من خلال مواقف و أوضاع مختلفة بعضها يستمد قوته من التسيير الهيتشكوكي للحركة داخل النص – و لكنهم مع ذلك يقرون من خلال المبنى بأن الدخول إلى المعنى من خلال العلامة تكليف يستحق التضحية و يراهنون على الاستمرار في البقاء في ملكوت الرواية ، في قلب السواد و متاع البياض.قدر المعرفة أن نفي بوعود الرمز – سلطة – داخل النص / داخل الأطر الاحترازية / داخل الحقول النصية / داخل الألياف و الأوعية التي ترافق الصورة و هي تخلق المشاهد ، و تنقل اللحظة التي يرغب المعنى في بعثها من خلال التشفير النزيه . أنها لحظة الخلق الذي يولد من زمن الاحتكاك ، و قد يشارك المكان في رسمها و يبوح بالذي يصنع المتعة – و قد يؤجل محور الكينونة إلى ما تبقى من الأسئلة العالقة .إن التقطعات النصية المقصودة في الاحتكاك الذي يصنعه الجمع و التأليف بين دال و دال و قيمة و قيمة و هذا التصوف الذي يراهن على التقاط المشاهد بالترميز و الإشارة و الاحتكار و هذا الاختراق الذي تديره الجمل من خلال الأسطرة في العشق و الوطنية و التدين و هذه الأرواح التي تتوق إلى الاعتراف بالذي قد يغيب ليظهر من خلال الديمومة في الهاهناك .
قد اختلف مع الروائي كثيرا أو قليلا و لكنني أصر من خلال التعاليات النصية – باب المناصات – أقصد المناصة الخارجية – العنوان نموذجا – و قد أتجرأ في الخروج عن سلطة التحلية ، فلا أجد حرجا في تغيير عناوين الأعمال التي منحها الروائي عز الدين جلاوجي لأعماله فاستبدل العناوين على الشكل التالي : فيصبح : حائـــــط المبكى ← العشق المقدنس .العشق المقدنس ← الحب ليلا في حصرة الأعور الدجال .و حائط المبكى ← الصورة التي لم تكتمل بعد .
هذا التدخل يصنع مني قارئا مشاركا ، قارئا استوائيا بفعل مناخ الكتابة ، لأنني – بصراحة – لم أعد أتلصص كعادة القراء في الزمن النكرة ، سأرفع صوتي بالكتابة ، و أكتب بالصوت ما كان مخبوءا / مهربا.سأطرح نفسي بديلا / أتحول إلى كاتب قارىء ، سأقول بأعلى كتابتي ما تشعر به الشخوص داخل زنزانة الكتابة .
سأبوح بكل التفاصيل التي اعتبرها الأديب – سريا للغاية – سأعلن للمرة الألف بأن كتابات هذا الطفل المشاغب خطيرة جدا جدا ، لأنها – و ببساطة – إعلان رسمي للخروج من دائرة القهر إلى الركح – لم تبق فيها مسافة تعاني الشغور و لا شغور فيها يمتلك الذات ، أصبح في عوالم الكتابة عند عز الدين جلاوجي كل شيء رهين ذاته ، يعني أن تكتب أنك تقر بصوله الانتصار .هل يا عز الدين حين أطرت أمكنة التجوال و أزمنة الاحتراق بداخلك ؟ ، هل كنت تعي هذا الهوس من لدن شخصيات تعيش العبقرية في صمت ، أو كنت بعضا من تفاصيلها ، كما كنت رهين نفسك في الميتا نص ، و كنت تداوي بعضك من قراءاتي الوسخة ، وكنت تدعوني من خلال تلك الفراغات المحمومة بالجمال و العبث ، و لم تعطني فرصة كافية لأقاضيك على تخوم المعنى . أبنتني في أول مدخل بأبي حيان التوحيدي و سلفادور دالي و أندري ماستون و بيكاسو ، و لم يعد يفصل بيني و بين نصوصك إلا مقدار ما يستطيع المارق أن يتوب من ذنوب لم يرتكبها . أنا المارق و أنت زنديق الكتابة لي صمغي و لك تحفة البياض في المقام .قد لا أجر أحدا إلى بؤرة الاستحالة في روايتك أو أشوه من خلال الصمت المرابض على تخوم السؤال ما تدعيه المعاني أو أسعى واعيا إلى المنفى خناسا أقابل أرواحا بريئة على مذبح الاستثناء.إن حائط المبكى – أقصد ” الصورة التي لم تكتمل بعد ” تقوم على التدوير الجزئي للعملية السردية عموما / تستقل فيه المقامات بأكوانها
و ألوانها و أصواتها و تجتمع فيه في محراب الرفض كل الأبنية التواقة إلى الانفصال عن خصومة الاعتراف .هناك نموذج صارخ – للميل إلى التشوه – أقصد مرارة الواضح – تلك تقتل سجية التأويل – / حين يكون عنيدا يرفض أن ترافقه علامات الترقيم التي ترشح بالموبوء من الانشغال … من هنا يبدأ التأويل : ” لم تكلمني عن ماضيها بما يجب من تفاصيل – كانت تؤكد في كل مرة أن حياتها ابتدأت منذ التقينا .” ( 3)لماذا يدفع الكلام مأسورا ؟ و يتحول الجمال إلى جحيم و يطيب للأنوثة أن تستأنس بذكورتها – كم كنت أرغب في وأد هذه الحبيبة كل الذين أدانوا فيها حرية التأنيث لأنها و بصوت عال لم تكن تمتلك من سجية الأنوثة إلا المقدار الذي يسكن بداخلها – خفية – لم تكن تستطيع أن تدافع عن حياض الأنت المؤجل و الأنا الذي يحكمه الانتظار .الأخطر أن تقاضي في المألوف حكمته – أقصد لماذا نحاكم النوايا في النص . المعنعن جريمة ثانية في محراب السرد . كان بوسعها ألا تقول / أن تفعل / أن تراهن من خلال اللغة على مسافة التأويل .
ماذا لو علمت إنك مأسور مثلها وأنك من سلالة العبيد و أن الشمس عند العبيد تنهض باكرا .كم أيها الطفل مارست ظلالك على النون – واحد و خمسون جزء من رواية لم تكتمل بعد كان عامل الزمن يمارس حكمته داخل الأجزاء المهربة من النفس لم تكن صوفيا إلا إنهزامات السارد ، و الذي هو طفل مارق / عربيد تحبه الناس و القراءة و يخاف هو من نفسه في السطر و النص – إيضاحا و نكرانا .
لم تكن هذه الشخصية المحلاة – صوفيا – إلا ” أنا و أنت و نحن ” المكتومة أنفاسها في السر و العلن وأنها تعيش هذا الأسر باللغة و العاطفة و البيان إن بالإعتراف أو النكران – بالإفراد أو الجمع و قد نختلف في التسمية و قد نتفق في وصلات النفس كلما حددنا المسافات التي تقبل المناورة .كم أنت يا صوفيا الموجودة بداخلنا المقهورة في جهرنا و سرنا ، في قوة الأسر الذي سيجناه بترياق الجبن الأدبي و الفني و الجمالي . كم نحن يا صوفيا نعاني من فراغنا حتى الامتلاء و كم أنثى دفنا في أعماقنا منذ الوجود الروحي و الأدبي . هذه لحظة مهربة من صقيع الرواية حـــــــــائط المبكــــى أقصد ” الصورة التي لم تكتمل بعد . أقصد لحظة الرواء التي استكان فيها الروائي – أقصد – من كلفة بالدور – أقصد الراوي – أو الصوت الذي كان أشجع ممن اختفى مثقلا بقميص الجبن – محكوما بزمن الرواية أو الدور .هي لحظة اختفت فيها الحبيبة التي أنجبت ثم اختفت من حياة القائمة الاسمية لضمائر الجبن و الخزي و العار و الشنار . آه …أيها الضمير الذي يسرف في الإنكار كم أنت مكابر في القسوة / جبان . أنت الذي يستطيع أن يراود نفسه في الفراغ و ينازع أناه كلما انتابه الخوف .اختلط الكبرياء بالنجاسة ، التقى النقيضان – صوفو و صوفيا و هذا الأمل الواجم – المقدنس – الذي لم يكن إلا احتقانا ، عمره يمتد إلى لون الغواية يوم آثر المنتدبون هذا الأنا – عن بقية الضمائر . كلنا حلزون يمشي على قدميه أو براغيث انتشرت عبر ألياف الروح و استحالت نصوصا سردية . تعددت الأسماء و الشخوص و لم يسلم من النزيف إلا الجلباب الأسود – و قطرات من الحبر المعنى و ضجيج اختفى بين تينك الشيفرات – لونا و إحالة -لم يعد يفصل بين دال و دال إلا بقع من سكون أو فراغات من لون الكتــــــــابة و بياض السطور . تلك لحظة للاستراحة تتعافى في الهامش – ترغب في الشهادة على كنه ترتيب الأجزاء قد تقرأ النص بالمقلوب أنهار الترتيب النمطي للرواية . هي أربع قصص قصيرة (04) مرتبة من اليمين إلى اليسار أو العكس .
كنت أرغب أن أكون شخصية أدبية من خلال الفتحات التي تركتها – صناعة و الكتابة – و التي يسلّل منها الذوق و الفطنة .و بقايا الحب الذي ظل يتخفّى على سطوح السّواد . و البيان الذي ظل مؤجلا لأن الرّاوية لم تكن مقفلة و لا مفتوحة سيظل هذا العجائبي الذي يتعافى فينا من ثقل الأوهام التمام المؤجّل .
إن نصّا يرسم خطوطا عنكبوتية في الاتجاهات الممكنة لهو نص يمارس اليانصيب الإبداعي الذي يولد من الجريمة أو الفراغ أو التشقّق أو التقطّعات فكلّما مارست ضغطا على السّطيح الفجر الدّاخل بركانا ربما يحدث زلزالا على المعنى و ربما يقايض الداخل هناك تستحيل الاحتمالات التي لا تستطيع
الشخصيات التي تراهن عليها – رساليّا – أن تدافع عن الكون الافتراضي .
إن الشّاهد الأوحد في نصوص عز الدين جلاوجي هو التسجيل الهرمنيوطيقي للعلامات من خلال الأحداث سواء بالترتيب الالكتروني
و النمطي هذه المناورة التي اقتحمت عالمنا و نحن نمارس حق القراءة .
لماذا نحن دائما نعيد صياغة النصوص بالأنا المريضة التي تتماشى مع أسلوب ما في لغة ما و ثقافة ما لكاتب ما في زمن ما و مكان ما ؟ لماذا لا نراهن على ما يدخل في حالة الاحتمال الأدبي ؟أو ليس الأدب و الرواية كونا آخر لا يتحقق فيه اليقين الوضعي و لا يدفعه إلى أن يستحيل خطابا موجّها أو مطلوبا عند سلطة الكتابة .لم يكن عز الدين جلاوجي إلا حالة استثنائية أخلط فيها اللون و الذوق
و ثقافة المنسي ربما يكون هذا الثالوث مبرمجا في الاحتمال / ربما لا يملك توجها أو وظيفة خطية . للغة أبعاد رائعة عند الروائي عز الدين جلاوجي كلما خرجنا من نوايتها نعيش الهامش الأدبي الذي يطيل عمر الكتابة .
إن حائط المبكى – أقصد الصورة التي لم تكتمل بعد – مرحلة جديدة
من التّوق إلى الترميز بلا لغة و لا همس و لاتردد ، بلا كبرياء . ملت الشخوص حياة العبودية الأدبية هذه لحظة الاستئناف الانشغالي الذي كلما حركت فيه طرف البدء انتفض يقين الانتهاء .و قد تخرج الشخوص من الفراغ مكسورة / مهمومة محملة بأشواك الوقت يعتريها الدّمار المخبوء بين ثنايا السؤال – لكنها سعيدة بالوجود ، تتقن فن الصراع على البقاء . الإجرام الأدبي لحظة أخرى للفرار من قسمات الذي قد يجيء مكمّما كسؤال المفارقة … عجبت منك أيها السارد / الكاتب حين تقول : ” هرعت أنا إلى الفن أتسامى به عن الجراح اقتنيت مئات الأوراق البيضاء و عكفت على رسمها ، كأنما كنت أرغب في إعادتها إلى الحياة ، و حاولت مرة أن أقيم لها تمثالا في حديقة بيتنا ، و حين فشلت لم أزد على أن دفنته ، و قضيت ليلي باكيا ” ( 4) قد أحار حين أبحث عمّن دفن من ؟ كانت البلوى أعظم من جراح الموت – أقصد الفراق – كانت الرغبة أن يستحيل الطفل نصا يعانق نفسه تلك التي مازالت تبحث عن رافد من خلال الصّمت و علامات القهر و البكاء الذي رسّخته امرأة بظلال الأمومة . لم تكن الطفلة إلا جسدا لأمّها و صورة لأخيها . كلاهما مائت و أخ يراقب باتجاه اليقين الذي أجلته الظروف مارد هو قبل أن يجيء الكلام إلى فمه . هو أخته في أمه و كلاهما لا يعرف للحياة معنى الأدبية سوى أب و قوام ثكنة و جندي يرفل بلباس العار و الشنار . من هنا نشأ عسف الضمير و عسف التشنطي . أقصد . بدأت رحلة التخلص من الموت قهرا إلى الموات الجميل . و القرار أن تموت في النص و أن تستمد الحياة من الخطاب . النقل في السّرد و المغامرة في الكتابة .من هنا يبدأ لون آخر يدعيه بياض النسخ لم يعد للملل و النحل أن تنقل إلى الجحيم ختمها ، هناك في الأفق كتابة أخرى لو خز الضمير ، هناك راو يجيد التأمل في الشهادة أقصد الكتابة لم يعد إلهاهنا أصغر من جحيم الرّصاص يا هبة المفطورة على الحياء كم سافر في جسد الامتحان .
صبرك ؟ و كم هو مقدار المعاناة حين ماتت لك أخت في حائط المبكى – أقصد الصورة التي لم تكتمل بعد – أعرف انك كنت تقفزين من نص إلى نص و من جرح إلى جرح ، ، أيتها الأخت أخرجي من العشق المقندس – خذي حرّيتك الأدبية و الأبدية – مارسي ضغطا أبديا من خلال الجرح و الدعابة .
قد نعيد للصورة زينتها . و نعيد للأم ابنتها و تقاضي كل الدين جنوا على بعضنا .و حين تبولوا على مقام الكتابة .أنا ياهبة واحد من ضحايا الكلام.واحــــــــد من شهود المنـــــــام ..
عنابة في : 16/03/2016_ بادي ابراهيم