منبراً إذاعياً في ألمانيا للاجئين
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ بادرت إذاعة محلية بمدينة رويتلينغن في جنوبي ألمانيا إلى تدريب الوافدين الجدد، من اللاجئين وغيرهم، ومنحهم منبراً “حراً” للتعبير عن ذواتهم وتجاربهم وآمالهم وآلامهم. نظرة عن كثب نلقيها على المبادرة من خلال تجربة شاب سوري.عقارب الساعة تقترب من الثالثة من بعد ظهر يوم الأربعاء. على موجات أثير راديو “فرايس راديو فوسته فيله Freies Radio Wüsste Welle” نتابع البرنامج الأسبوعي “NewcomerNEWS أخبار القادمين الجدد” وبلغة ألمانية جيدة نسمع صوت شاب لاجئ لم يمضِ على وصوله إلى ألمانيا أكثر من عشرين شهراً يحاور الكاتب الألماني-السوري الشهير، رفيق شامي، على هامش فعالية قراءة للأخير. “إنه من دواعي سروري لقاء شخص متفان مثلك” بصوت رخيم يخاطب الكاتب الذائع الصيت محاوره أحمد صلاح. “بالنسبة لي، إنك تمثل دافعا كبيرا يحثني على التميز هنا في ألمانيا” يقول الشاب السوري ذو الـ 23 ربيعاً.في المقابلة يتحدث رفيق شامي، أيضاً، عن لجوئه من سوريا إلى ألمانيا ومشوار حياته ونجاحه ككاتب. يقدم عصارة تجربته للاجئين فيما يخص الاندماج وتعلم الألمانية. وفي النهاية يطلب أحمد من رفيق توجيه نصيحة باللغة العربية للاجئين الذين لم يتعلموا الألمانية بعد: “لا تبقوا محبوسين بين أربعة جدران. انفتحوا على الآخر ولا تخافوا حتى وإن فجر أحدهم قنبلة هنا وهناك؛ أخرجوا عندها وقولوا للألمان: هذا مجرم، أما أنا فإنسان، مثلك بالضبط. نحن شعب عريق وقدم الكثير للإنسانية”.اضطر أحمد لقطع دراسته الجامعية في السنة الأولى في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بسبب “مشاركتي في الحراك السلمي منذ بدايته عام 2011 في مدينتي دوما ومساهماتي في المجالين الإغاثي-الإسعافي والإعلامي؛ فقد أصبحت ملاحقاً من قبل النظام السوري”، يقول أحمد في حواره مع مهاجر نيوز. وقد تلقى في حزيران/يونيو 2013 إصابة بليغة برجله، فاضطر للخروج من سوريا والنزوح إلى ألمانيا التي وصلها في أواخر عام 2015.بعد استقرار أحمد في مدينة رويتلينغن، حدثت جريمة قتل هزت الرأي العام في المدينة. حيث أقدم لاجئ سوري في 24 يوليو/تموز 2016 على قتل عشيقته وجرح آخرين، وكانت أداة الجريمة هي سكين تقطيع الشاورما. قلب الاعتداء الطاولة على اللاجئين وتحوّل التعاطف معهم ومد يد العون لهم إلى توجس وخوف منهم. “أثر فيّ الاعتداء وقررت مع مجموعة من الأصدقاء تنظيم وقفة تضامنية وتوزيع الورود على الألمان”. حضر الوقفة قرابة 250 مشاركاً وألقى أحمد خطاباً فيها. “ساعدت الوقفة على تخفيف الاحتقان ضد اللاجئين”، على حد تقييم أحمد.الانخراط والانفتاح على الآخر هو الحل لم يكتف أحمد بالجلوس في نُزل اللاجئين وتدخين الشيشة واجترار الماضي. “انطلقت للحياة وانفتحت على الآخر وكونت شبكة علاقة اجتماعية واسعة” يؤكد أحمد، معتبراً أنه يحمل على كاهله “مهمة إعطاء الصورة الكاملة والصحيحة عما يحدث في سوريا”. بدأ بتعلم اللغة الألمانية لوحده عن طريق الانترنت واليوتيوب ومن التحق بدورة لتعليم اللغة الألمانية، وهو يستعد الآن لامتحان لغة يؤهله المؤهل للدراسة في الجامعة. “أريد دراسة المعلوماتية”، يقول أحمد بنبرة ملؤها الطموح.بعد أربعة أشهر من وصوله إلى ألمانيا تعرف من خلال شبكة علاقاته “على المشرفين على العمل في الراديو وشاركت بورشة تدريبية فيه”، يقول أحمد. الذي تلقى ومجموعة من الوافدين الجدد تدريباً إذاعياً في الإعداد والتقديم والعمل كمراسل. أحد المشرفين على المشروع، ماتسل كساندر، أكد في تصريح لمهاجر نيوز أنه لدى الإذاعة “خبرة أكثر من 15 عاماً من العمل مع اللاجئين”، مضيفاً “أن المنخرطين بورشاتنا والعاملين معنا يكتسبون خبرات ومهارات صحفية على أيدي أخصائيين”.تنوع في المحتوى و”استقلالية في التحرير”يتطرق برنامج “أخبار القادمين الجدد” لمواضيع سياسية وثقافية واجتماعية ومنوعات خفيفة، ويقدم باقة منوعة من الموسيقى. ومن بين القضايا التي يتمحور حولها البرنامج: الاندماج وتعلم اللغة الألمانية وسوق العمل وطرق ومصاعب اللجوء، بالإضافة إلى المجتمع والثقافة في ألمانيا وبلدان الوافدين الجدد وتجارب شخصية، وغيرها من المواضيع التي تهم الوافدين الجدد واللاجئين. ويؤكد ماتسل كساندر بأن فريق التحرير “منذ البداية مستقل من الناحية التحريرية سواء فيما يتعلق باختيار المواضيع أو أسلوب تقديمها صحفياً”، ويتابع: “تقتصر مهمتنا على المساعدة من النواحي التقنية واللغوية والتنسيق”.عندما انطلق البث كانت مدة البرنامج ساعة أسبوعياً. وبعد النجاح والصدى الطيب ارتفعت ساعات البث إلى ساعتين في الأسبوع. ويرجع كساندر الصدى الإيجابي إلى “البث بعدة لغات وأصالة عمل فريق التحرير والتنوع الثقافي في الموسيقى”. يبث البرنامج باللغات الإنكليزية والعربية والألمانية والكردية والإسبانية والفرنسية واللغة الدارية (إحدى لغات أفغانستان).تثقيف سياسي وعن أهداف البرنامج يقول كساندر تتلخص في “منح الوافدين الجدد صوتاً وإطلاق حوار عابر للثقافات ومحاربة الصورة النمطية السلبية السائدة عن الأجانب وتحسين القبول العام للاجئين”.كما يطمح المشروع إلى “إثارة اهتمام الألمان بالقادمين الجدد وإشعار اللاجئين بواجب التواصل مع الناس لاكتساب مهارات مجتمعية وتقوية لغتهم الألمانية وبناء وتطوير مهارتهم الصحفية النقدية”. ويختم بأن الاشتغال على المواضيع الاجتماعية والسياسية يعطي القادمين الجدد إطلالة أولية على “آليات عمل المجتمع الديمقراطي”.يموّل “المركز الاتحادي للتربية السياسية” برنامج “أخبار الوافدين الجدد”. ويشتمل المشروع أيضاً على ورشات عمل وتدريب. وتقدم الورشات المجانية جرعة مكثفة في أساسيات الصحافة وكيفية الإعداد وإجراء المقابلات الصحفية واستخدام أجهزة الهاتف المحمول في العمل الصحفي والمونتاج الديجتال والعمل في الاستوديو، باختصار الصحافة الإذاعية من الألف إلى الياء.وبعد الانتهاء من الورشة والتدريب يكون بوسع من أنهى التدريب الانضمام لفريق تحرير البرنامج الإذاعي “أخبار الوافدين الجدد” أو لفريق تحرير المجلة المطبوعة “تو نيوز انترناشيونال TüNews International” وهي منشورة من اللاجئين وإلى اللاجئين ولغيرهم.