كرونولوجيا صورة الإسرائيلي بين الواقع والمخيال
زياد حميدان
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_إن صورة الآخر «الإسرائيلي» المستعمر المحتل – ولأنه آخر غربي أيضاً – لم تختلف في المخيال والوعي الجمعي الفلسطيني والعربي المعاصر عن مثيلتها لدى العرب عموماً، إذ تستحضر بداخلها التمثلات التاريخية القديمة كافة وتكرِّر نوعيةَ تلك الصورة – صورة الآخر الغازي المستعمر المحتل الدّوني المتوحش الدنس – التي تقبع في عمق الوعي واللاوعي العربيين الإسلاميين. فعلى الرغم من انتقال العرب المسلمين من وضع الغلبة والتفوق إلى وضع الضعف والتخلف لم يتغير شيء في تمثلهم للآخر. بل إن حقبة الاستعمار زادتهم تشدّداً وتطرفاً وتمسّكاً بتصورهم النمطي القديم للآخر. غير أنّ التّشابه بين صور الآخر «الإسرائيلي» القديمة وصورته الجديدة بعد اتفاقية أوسلو، يكمن في ارتكاز تلك الصور التصويرية على بعدين أساسيين: أحدهما يسعى إلى تمثُّل تلك الصورة بهدف رفض الآخر الإسرائيلي ونبذه إلى درجة وصفه عدوّاً؛ والبُعد الآخر يُركز على تمثُّل الخضوع والقبول على نحو يجعل الفلسطينيين يصِلون إلى حد استِبْطانها.
رسم الفلسطينيون صورة الآخر «الإسرائيلي» المستعمر المحتل – منذ أواخر القرن التاسع عشر – بمداد من العداء ردّاً على العداء الذي ظلّ يكِنّه لهم ذلك الآخر. إلا أن هذا الوضع اُريدَ له أن يتغير مع اتفاقية السلام المعروفة بـ «اتفاق أوسلو»[1]؛ فتمّ استبدال صور الآخر الإسرائيلي وما يتعلق به من تمثلات سابقة – تحدده بوصفه محتـلاً دنساً متوحّشاً – بصورة جديدة تنفي عنه تلك النعوت. غير أن المفارقة التي يجب الوقوف عندها هنا، هي أن الصورة الجديدة التي أُريدَ لها – بقرار سياسي – أن تَحُلَّ محلّ الصور القديمة، لم يرافقها أي تغيير في الشروط الوجودية الموضوعية للفلسطينيين. فقد جرَت محاولة تمريرها من دون مقابل إجرائي فعّال من شأنه أن يضمن للشعب الفلسطيني نيل حقوقه. وهذا ما أدى إلى حالة التشظي والاغتراب الحالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. ذلك بأن ما يُبقي المجتمع متماسكاً هو تماسك عالم دلالاته – كما ذهب إلى ذلك كورنيليوس كاستورياديس. فالتماسك الدّلالي يتيح تصور المجتمع في هويته الذاتية[2] لهذا، يمكن القول إن الصورة الجديدة للإسرائيلي عند الفلسطينيين تحمل في جوفها مخاطر غير مسبوقة على الشعب الفلسطيني. ذلك أن تغيير تلك الصورة لم يكن لمجرد منح «الإسرائيلي» صورته المبتغاة. ولا لكي تبرر القيادة الفلسطينية فعلها ووجودها فقط، بل لكونها عملية طويلة من شأنها زعزعة المخيال الفلسطيني بما يحتويه من وعي وذاكرة جماعيتين.
موضوع الدراسة وإطارها النظري: ستحاول الدراسة وصف صورة الآخر «الإسرائيلي» وتغيراتها في المخيال الفلسطيني وتحليلها بالعلاقة مع أبرز الأحداث التاريخية التي أدت إلى تشكلها. وستركز بالخصوص على تلك الصورة التي برزت إلى الوجود فجأة مع عملية السلام التي توجّتها اتفاقية أوسلو؛ إذ صارت جزءاً من الخطاب الرسمي للقيادة الفلسطينية، وذلك بهدف استمراء تلك الصورة الجديدة واستساغتها وقبولها وتأصيلها في المخيال الجمعي الفلسطيني. كما ستحاول الدراسة البحث في أسباب اختراع تلك الصورة، وفي طبيعة الفاعلين في عملية الاختراع تلك.
بحث من هذا النوع – تتداخل أبعاده المعرفية – لا بد من أنه يحيل من الناحية النظرية على مجموعة من الحقول المعرفية كالتاريخ والسياسة والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع النفسي، ويتطلب استحضار مجموعة من مفاهيمها النظرية، التي يمكنها أن تؤطر عملية التحليل منذ بدايته. وكان أكثر المفاهيم حضوراً، في بناء موضوع الدراسة، مفاهيم الهوية والتمثل والمخيال.
الهوية، التمثل، والمخيال في علاقتها بصورة الآخر الإسرائيلي: يصعب الولوج إلى صورة الآخر «الإسرائيلي» من دون الارتطام بالعديد من المفاهيم المتشابكة التي يتوجب تحديد علاقاتها وتموضعاتها. ذلك أن صورة الآخر الإسرائيلي تقابل صورة أخرى للفلسطيني. إنها إفراز وعيَين وذاكرتين ومخيالين يتصارعان على امتداد آلاف السنوات من تاريخ الزمكان الفلسطيني، مع فارق أساسي بين الاثنين، وهو أن الطرف الفلسطيني في حقيقة جوهره أمر واقع جرت إزاحته بقوة المُخترَع الأيديولوجي[3].
– الهوية: يمكننا تحديد الهوية الفلسطينية بكونها ذلك النسق من الأحكام والتصورات والمعايير التي يعرِّف بها الشعب الفلسطيني نفسه، ويتميز بواسطتها من غيره من الشعوب. لذلك يمكن وصفها نتاج جهد جماعي وعملية بناء مكثفة لوعي وذاكرة جماعيتين. يقول إدوارد سعيد: «من النادر أن اعتمدت الهوية لدى أي شعب على مثل هذه العملية الجماعية»[4]. إلى جانب ما سبق ترتبط الهوية الفلسطينية بمفارقة فريدة. ففي الوقت الذي كانت تتشكل فيه أغلبية القوميات المعاصرة بمحاولة صَهر مجموعات بشرية في سياق شعب واحد، من خلال دعوة موجهة لمكونات هذا الشعب وشرائحه الاجتماعية تتوَّج بكيان سياسي غالباً ما يكون الدولة الوطنية. انطلقت المقاربة الفلسطينية المعاصرة من بديهية وجود الشعب الفلسطيني، ومحاولة إقناع العالم بوجود هذا الشعب. أي أن دعوتها وُجِّهت إلى من هو خارج هذا الشعب. هذا، في الوقت الذي تمّ فيه اختراع «الشعب اليهودي» من اليهود الذين لم يشكلوا شعباً، ولم يكونوا موجودين بكونهم شعباً لا في الماضي ولا في الحاضر. وذلك وفق ما أورده المؤرخ «الإسرائيلي» شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي[5]، فيما استمرت أزمة الهوية لدى الفلسطينيين لافتقادهم الدولة الوطنية على عكس آخرهم «الإسرائيلي».
– التمثل: يؤدي تمثل الآخر دوراً أساسياً في بناء مواقف الأنا من ذلك الآخر. يشير مفهوم التمثل إلى العملية التي يستوعب فيها الذهن المعطيات الخارجية للواقع بعد أن يحتك بها الفرد ويضفي عليها مستويات شخصيته المختلفة. وتتميز التمثلات بنوع من الثبات النسبي، ولا تتغير إلا بتغير عناصر الواقع. يحدد سيرج موسكوفيسي (في مقدمة كتابه لمحة عامة عن التمثل الاجتماعي) التمثل بكونه «منظومة القيم والمفاهيم والممارسات التي تخص مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية»[6].
– المخيال: يشير هاشم صالح، إلى أن المخيال يتشكل تاريخياً في الذاكرة الجماعية أو في الذهن، ويمكن استغلاله سياسياً وأيديولوجياً في اللحظات التاريخية العصيبة. فهو يضرب بجذوره في أعماق اللاوعي عبر تَشكله خلال مختلف المراحل التاريخية. إنه عبارة عن شبكة من الصور التي تستثار في أية لحظة بشكل لاواعٍ وكنوع من رد الفعل. فنجد متخيلَ (مخيال) كاثوليكيٍ ضد البروتستانت أو بروتستانتيٍّ ضد الكاثوليك، أو شيعيٍّ ضد السنّة أو سنّيٍّ ضد الشيعة… إلخ. كل فئة تشكل صورة محددة عن الفئة الأخرى، وتترسخ هذه الصورة بمرور الزمن في الوعي الجماعي[7].
– منهجية الدراسة والتحليل: إضافة إلى المفاهيم النظرية – التي أطّرت تحليلنا لصورة الآخر «الإسرائيلي» لدى الفلسطيني ووجهت مناهج وتقنيات بحثنا – ستعمل الدراسة على المستوى المنهجي، على وصف الصراع والأحداث التاريخية التي شكّلت صور الآخر «الإسرائيلي» وتحليلها. إضافة إلى وصف وتحليل عيِّنة قصدية من العبارات والممارسات الخطابية التي تشكل صورة الآخر الجديدة في خطاب القيادة الفلسطينية الرسمية على منهج المقارنة، وعلى وصف وتحليل مضمون تلك العبارات والممارسات الخطابية بالمنهج الفوكوي. وذلك من خلال أركيولوجيا المعرفة والجينالوجيا التي لا تبحث عند فوكوه عن الأصول بل عن البدايات وعن المعنى[8].
في سياق تحليلها لصورة الآخر «الإسرائيلي» ستتوزع الورقة على ثلاثة محاور رئيسية: يتطرق أولها إلى صيرورة تشكُّل صور الآخر «الإسرائيلي» لدى العرب والفلسطينيين. ويكب محورها الثاني على الزمان والمكان المتخيلَّيْن ودورهما في بناء صورة الآخر «الإسرائيلي». أما محورها الثالث والأخير فيحلل صورة الآخر الإسرائيلي الجديدة في خطاب وممارسات القيادة الفلسطينية لِما بعد اتفاقية أوسلو.
أولاً: جدلية الواقع والوعي وكرونولوجيا صور
«الإسرائيلي»
لدى العرب
والفلسطينيين
رسم العرب المسلمون صورة الآخر منذ العصر الوسيط، وفقاً للتقابل القائم بين الأنا منظوراً إليها في نقائها وتعاليها/تُقابِل دونية الآخر الدَّنِس المتوحش. بُنيت صورة الآخر الأوروبي – في المخيال العربي الإسلامي – من خلال مخزون هائل من المعاني والدلالات السلبية الملتبسة. فكتابات المؤرخين والجغرافيين والفقهاء العرب المسلمين تصوِّر الأوروبيين بوصفهم بَهائم أو أعداء شيمتهم الغدر. امتدّ ذلك التصور السلبي للآخر لدى العرب المسلمين في عصر تفوقهم الحضاري والعسكري والسياسي، ليشمل أيضاً عهود ضعفهم وسقوطهم واندحارهم أمام الآخر. حيث ظلّ العرب المسلمون محتفظين بشعورهم بالتفوق والتعالي الأخلاقي والديني.
في كلتا الحالتين السابقتين، كان تصور العرب المسلمين ينبني على أساس نظرة متركزة حول أناهم المطلقة من حيث خيرها وكمالها، وذلك على نحو يجعلها تتقابل مع أنا الآخر الشريرة الناقصة المدنّسة. يوضح عبد الله إبراهيم التمركز بقوله: «التمركز نوع من التعلق بتصور مزدوج عن الذات والآخر يقوم على التمايز والتراتب والتعالي»[9]. هذه الصورة التي لم تفارق الوعي والمخيال العربي منذ ذلك الوقت حتى حقبة الاستعمار الأوروبي، يرجعها الكثير من الكتاب إلى فترة «الحروب الصليبية». وهي الحقبة التي اتسمت باحتلال الفرنجة لفلسطين وعموم بر الشام، وإلى فترة السقوط أمام موجات الغزو المغولي الذي بلغ ذروتَه لحظةَ سقوط بغداد. وفي ما كان المشرق العربي يُكوِّن تلك الصورة عن الآخر، كان المغرب العربي يرسم له صورة لا تنفصل عن التصور المشرقي. وذلك تزامناً مع الضعف الذي اعتراه وقتها، فكان سببَ انهزامه في حروبه – أمام ممالك ليون وقشتالة وأراغون – التي آلت إلى سقوط غرناطة آخر معاقل العرب في الأندلس[10].
لقد ظلت صورة الآخر «الإسرائيلي» المستعمر المحتل لفلسطين التاريخية تُنتَج ويُعاد إنتاجها خلال قرن من الصراع على فلسطين. وهو الأمر الذي أسهم في خلق المخيال والذاكرة الجماعية الفلسطينية[11]. حيث عمل الصراع المحتدم على أرض الواقع في بلورة هوية الأنا وفي تشكيل صورة الآخر التي تعّددت بتعدّد تمثلاتها وفضاءاتها المكانية والزمانية. إذ رسم ذلك الصراع هندسة لمعمار المخيال والوعي الجمعي الفلسطيني. لا شك في أن صورة الآخر «الإسرائيلي» تُعَدّ مزيجاً من أربعة مسميات هي: العبري؛ الإسرائيلي؛ اليهودي ثم الصهيوني. مسميات جُلبت من أعماق التاريخ رغم اختلافها، ليتم ادعاء لاتاريخيتها وكونَها مرادفات لجوهر واحد. بدأت صيرورة تلك التسميات مع بدايات الاستيطان الذي مهّد لانطلاق المشروع الاستعماري في فلسطين بصورة ذلك اليهودي الآخر – قبل أن يكون آخر بالمفهوم الكولونيالي – في سياقه المحلي. ومع بدايات الاستيطان اليهودي الزراعي في فلسطين بدأت صورة « اليهودي الفلسطيني» المقيم في تجمعات صغيرة أشهرها في القدس، تأخذ طابعاً مختلفاً تجلى بالخصوص مع انضمام يهود أوروبا الشرقية المهاجرين بأعداد قليلة وبدعم يهودي عالمي ذي نزعات صهيونية. لتبرز للوجود صورة «اليهودي المسكين التائه المشرّد» أو «اليهودي المستوطن المسالم».
مع تزايد أعداد اليهود والمستوطنات، انتبهت النخب الفلسطينية لخطرٍ ما يجري على الأرض. فتقدم عدد كبير من وجهاء القدس عام 1891 بمذكرة احتجاج إلى الصدر الأعظم في الأستانة، يطالبونه بالتدخل لمنع الهجرة اليهودية وتحريم امتلاك اليهود للأراضي الفلسطينية. وفي العام التالي لاحظ أهالي قرية الخضيرة وملبس «بتاح تكفا» تنامي عدد المستوطنات اليهودية في أراضيهم، فقاموا بهجوم مسلح عليها أسفر عن سقوط قتلى من الطرفين. في الفترة نفسها ظهرت كتابات يهودية في الصحف الأوروبية، تحذر من ثورة عربية وشيكة بسبب عمليات الهجرة اليهودية التي بدأ العرب يلتفتون إليها[12]. هكذا وخلال تشكُّل هوية الآخر وصورته واختراعها، كانت الهوية الفلسطينية تتكون بدورها، وكل ذلك في سياق تطور الإفصاح عن المشروع الاستعماري، ليجد الفلسطينيون أنفسهم أمام صورة «اليهودي المستعمر».
في إثر انعقاد «المؤتمر الصهيوني الأول في بازل» عام 1897، بدأت مشاعر الفلسطينيين في التأجج، فيما وُضعت فلسطين في بؤرة القلق العربي. حيث انطلقت الأنشطة في فلسطين لمواجهة هذا الخطر المحتمل، لدرجة أن أحزاباً سياسية تأسست متأثرة بالمناخ العام المعادي للتحركات الصهيونية في فلسطين. فالحزب الوطني العثماني – على سبيل المثال – لجأ عام 1911 إلى تكوين لجان تشرف على منع بيع الأراضي لليهود[13].
يتساءل عبد الرحيم الشيخ بدوره عن تاريخ بدء الغزو الصهيوني: هل هو بداية صهينة الهجرة عندما ألغي مشروع أوغندا في المؤتمر الصهيوني السابع عام 1905؟ أم هو 1917 سنة إصدار وعد بلفور؟ أم 1922 تاريخ صك الانتداب؟ أم إعلان دولة إسرائيل عام 1948[14]؟ يمكن القول إن الحدث الأبرز بعد مؤتمر بازل هو وعد بلفور الذي صدر عام 1917، الذي تعهدت فيه الحكومة البريطانية بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. على خلفية ذلك الوعد ستصبح صورة ذلك الآخر هي «الصهيوني الغاصب». حيث اتخذت المقاومة الفلسطينية أشكالاً أكثر شمولاً وأكثر عنفاً، بدءاً بثورة 1920 ثم ثورة 1929 وصولاً إلى الثورة الكبرى عام 1936. مع احتدام المواجهة إبان الانتداب البريطاني، أصبحت صورة «الغاصب «الصهيوني» توأماً لصورة الآخر (العدو الإسرائيلي) في إثر النكبة وقيام «دولة إسرائيل». فيما حاول الآخر تقديم نفسه من خلال صورة «اليهودي الضحية الهارب من المحرقة» في تلك اللحظة التاريخية.
خلال سنوات الاشتباك والعداء مع «إسرائيل، كان الآخر هو « العدو الإسرائيلي» أو «الصهيوني الغاصب». حيث أكدت محطة تأسيس منظمة التحرير وانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة على تلك الصورة. غير أن الأحداث والتحولات الكبرى التي حصلت طوال الأعوام 1967 – 1990، والتي بدأت بهزيمة النظام العربي أمام «إسرائيل»، ثم تبلور فكرة الحل المرحلي أو الدولة الواحدة، وصولاً إلى انكسارات الثورة الفلسطينية في إثر أحداث أيلول الأسود والخروج من لبنان، وانتهاءً بالانتفاضة عام 1987، التي كشفت للعالم عن وهن ذلك الآخر ومدى غطرسته أمام أطفال الحجارة. ورغم أن الانتفاضة مثلت وقفة عز وقوة للفلسطينيين أمام خصمهم، إلا أن انقسام النظام العربي الرسمي وتشظيه في إثر حرب الخليج عام 1990، أشعر القيادة الفلسطينية الرسمية بضعف كبير، وبدأت تلوح في أفق القيادة الفلسطينية ملامح استساغة لقاء الآخر «الإسرائيلي» بصفة رسمية وعلنية، ما مثل بداية لسلسلة تحطيم المحرمات الفلسطينية التاريخية وعلى رأسها قبول العدو «الإسرائيلي». بدأت الخطوات العلنية للقاء الآخر من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، لتنتهي مع الإعلان عن اتفاقية أوسلو عام 1993 التي أعلنت عن صورة جديدة للآخر «الإسرائيلي»، حيث تجلى ذلك الآخر «الإسرائيلي» بوصفه «شريك سلام وجاراً ودوداً». هكذا أطلَّت هذه الصورة الأخيرة من رحم صور الآخر السابقة لتجنح بشكل مبهم نحو فرض الاعتراف بها – في ذروة عملية السلام بعد اتفاقية أوسلو خلال التسعينيات من القرن المنصرم – . غير أن هذه الصورة الأخيرة ستشهد تراجعاً في السنوات الأخيرة، إذ صارت أكثر ضبابية والتباساً وتناقضاً منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
نرى إذاً، أن صورة الآخر «الإسرائيلي» المستعمر المحتل التي بدأ عملية اختراعها منذ أواخر القرن التاسع عشر، تمّ إنتاج صيرورتها وإعادة إنتاجها في الخطاب والمخيال الفلسطيني، من جانب فاعلين متعددي المرجعيات لظروف وأسباب مختلفة. إن صورة الآخر على حد تعبير الطاهر لبيب: «بناء في المخيال، وفي الخطاب، الصورة ليست الواقع، حتى وإن كان الصراع حوّلها من رهانات الواقع ولأنها كذلك فهي اختراع»[15]. بالتالي، فعملية اختراع تلك الصورة كانت تتم بهدف أن تستقر في مساحات المخيال الجمعي الفلسطيني. بينما يمكن القول إنه جرى اختراع صورة الآخر الإسرائيلي بشكل كرونولوجي لتفضي الآن إلى هذا الحشد من الصور المتمثلة. بتعبير آخر، إنّ أيّاً من تلك الصور لم يخْتَفِ، بل ما زالت كلها حاضرة، تُستجلَب من المخيال الفلسطيني عند الحاجة. وذلك لتُوظَّف في التعبير عن حقيقة السياق التاريخي الاجتماعي الذي ترتهن به، مع احتفاظ الصورة المركزية المهيمنة لنفس الحقبة براهنيتها[16].
لقد كان أهم فاعل في بناء سلسلة تلك الصور هو «الآخر الصهيوني المستعمر المحتل»، بينما يقبع في الظل المهندس الأول لها، وهو «الآخر الغربي الاستعماري في كليته». فهو الفاعل الأول الذي شكل الآخر الصهيوني وروج صورته مؤسساً رؤاه على الأيديولوجيا البروتستانتية المتطرفة، ثم أفكار نابليون بونابرت. إنه الآخر الغربي الاستعماري الذي شارك في إنتاج الصورة الأولى ثم رعى وبارك ما قام بإنتاجه «الصهيوني الإسرائيلي» من صور لاحقاً. بينما كان الطرف الآخر في تشكيل تلك الصورة متعدداً عبر تاريخ الصراع من النخب العربية والفلسطينية السياسية، العائلية، الثقافية والدينية. مثل عائلات المدن الفلسطينية العريقة، شيوخ ورجال الدين في القدس، قيادات عربية وفلسطينية مثل الحاج أمين الحسيني، عز الدين القسام، عبد القادر الحسيني، جمال عبد الناصر، الأحزاب السياسة العربية والفلسطينية، القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير.
ثانياً: الزمان والمكان المتخيلان وبناء صورة الآخر الإسرائيلي
تميزت تجربة فلسطين مع الصهيونية بحضور المتخيل التاريخي والرمزي ليفرض واقعاً متخيَّلاً ويُغيِّب الواقع الفعلي الحقيقي. إنه الواقع «الإسرائيلي الصهيوني» الذي يربط مكاناً ما متخيـلاً بزمان وهمي وأحداث أسطورية لا وجود لها سوى في أذهان من يؤمن بها. يقول كاستورياديس إن وجود المتخيل يطرح سؤالين أساسيين: يتمثل الأول بالأسباب التي تجعل من المتخيل مجالاً يبحث فيه عن إجابات الأسئلة الكبرى لكل مجتمع. أما الثاني فيتمثل بأنواع الصلة التي تربط المتخيل بأشكال الوعي الاجتماعي الأخرى. والمقصود هنا بالضبط هو كل من الأيديولوجيا واليوتوبيا. بمعنى آخر؛ يُطرح التساؤل هنا عن نوعية الصلات التي ينشئها المتخيل مع كل من تمثلات الأفراد والفئات الاجتماعية عن واقعهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وعن صلة المتخيل بأنماط تمثل الماضي وأشكال العيش في الحاضر وسبل تصور المستقبل[17].
1 –
المكان المتخيَّل وعلاقته
بالصورة
التي يبنيها الآخر «الإسرائيلي»
لنفسه
هناك مكان من إبداع العقل، وهو ذو طابع عاطفي؛ إنه المكان المتخيَّل، أي المكان المرتبط بالخيال وقدرته الإبداعية على خلق عوالم بديلة يحاول من خلالها التعبير عن وجدانه وعواطفه ورغباته[18]. يقول باشلار: إن المكان ليس المكان العقلي الرياضي، بل هو انعكاس صورة الأشياء المعاشة في ذات الإنسان الذي بدوره يعطيها صورة أشياء وجدانية. وفي الوقت الذي يظهر فيه المكان بمعناه – العلمي العقلي – متجانساً متصـلاً، فإن مرسيا إلياد يصف «المكان الأسطوري» بعدم التجانس والانقطاع[19].
هكذا ظلت صورة الآخر «الإسرائيلي» يعاد إنتاجها ارتباطاً بفلسطين المتخيلة وبشعب «إسرائيل» المتخيل وبسرديات دينية استشراقية كبرى متخيلة ملتبسة. حيث نرى القبول ببعض أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة كوطن اسمه فلسطين. فيما تغدو فلسطين التاريخية هي «إسرائيل»، لتكون «فلسطين الجديدة» خارج فلسطين التاريخية. نجد أنفسنا هنا، أمام مفارقة غريبة – تستند إلى التوارة -؛ فقد قامت «إسرائيل» القديمة على ما يعرف الآن بالضفة الغربية – وهي ما يراد لها أن تكون الآن دولة فلسطين – بعد أن «هزم يوشع بن نون أصحابها الكنعانيين»، لتُصبح الآن أرض «الفلست» هي «إسرائيل». رغم أن رواية «إسرائيل الكبرى» تمتد على جغرافيا التوراة العبرية ما بين نهري الفرات والنيل. بينما تم حذف أو تغيير أو إضافة حرف لأسماء الأماكن الفلسطينية لتبدو أسماء عبرية. كما ونهبت آثار آلاف السنين لتجريد الفلسطيني من المكان والرواية من أجل تأصيل المكان المتخيل لفائدة الآخر. كما سلب الآخر «الإسرائيلي» في السياق نفسه كثيراً من الفلكلور والتراث الفلسطيني، مروِّجاً الثوب الفلسطيني المطرز الشهير، كثيراً من الموسيقى العربية والفلسطينية، العديد من أشكال الرقص كالدبكة الفلسطينية، مأكولات فلسطينية مثل وجبة الفلافل والحمص، بكونها «إسرائيلية».
أمام كل ذلك، قام الفلسطيني بالرد، ولكن بواسطة مُتخيلٍ ينبثق من ذات المصدر. لتتجسد إحدى المفارقات الكارثية في السردية والمخيال الفلسطيني. يشير إدوارد سعيد إلى أن فقدان فلسطين له بعدان: الأول متصل بالواقع والثاني متصل بالخيال، حيث لفلسطين وجود تاريخي لسكانها الفلسطينيين، ولكن لها أيضاً وجود عند الصليبي والمستعمر والحاج، بفضل وجودها خارج الواقع المعاش لسكانها. وقليلة هي الأمكنة التي يتشابك فيها هذين البعدين[20]. إن خطورة المفارقة تتمثل بكون الرواية الصهيونية مجرد متخيل له قوة فعل الأيديولوجيا، فإن تهاوي ذلك المتخيَّل المُخترع في لحظة ما، إنما سيؤدي إلى تهاوي المتخيَّل الفلسطيني الذي جاء للرد عليه. ذلك بأن مواجهة الأسطورة من خلال تقديم أسطورة معدَّلة اعتقاداً بأنها هي «الأصح تاريخياً» يعني بالضرورة تهاوي الروايتين أو المخيالين معاً. وذلك من حيث بداهة لاتاريخية هذه الأسطورة نسبياً. ونعني هنا، على سبيل المثال لا الحصر، التوراة كنص أسطوري تم تقديمه وتأويله وقراءته بعيون صهيونية استشراقية، بوصفه نصاً تاريخياً صحيحاً ومطلق الحقائق. في حين جاءت المقاربات العربية التي حاولت تقديم قراءة جديدة للتوراة لتخرج عن الطرح الاستشراقي، متصفة بأنها إما قدمت التوراة كنص أسطوري لا علاقة له مع واقعه، أو أنها ذهبت لتثبيت تاريخيته مع محاولة تصحيح الجغرافيا. وهو ما حصل مع كمال الصليبي وفاضل الربيعي وزياد منى، مع كل ما رافق مقارباتهم من مخاطر تجلت في ترك فلسطين بلا تاريخ لعجزهم عن تقديم تاريخ آخر.
2 – الزمان المتخيل وأسطورة اختراع الإسرائيلي لصورته
تناول «مرسيا إلياد» في كتابه ظاهر الأسطورة مقولة الزمان في ارتباطاها بالأسطورة بقوله: «إن زمن الأسطورة هو الزمن القوي، الزمن المقدس، الزمن العجائبي الذي يخلق منه الشيء جديداً قوياً، وبكل امتلائه، أن نعيش ذلك الزمان ثانية، أن نستعيده في أكثر ما يمكن من الأحيان[21]. هذا الزمن الأسطوري المقدس كان ركناً أساسياً خلال عملية اختراع صورة الآخر «الإسرائيلي». فقد استُجلب لفبركة تلك الصورة، بالاستناد إلى الثنائية الاستعمارية القائمة على مبدأ القسمة ما بين «الأنا المتحضر والأرقى والأحق» وما بين الآخر «الأدنى المتوحش بلا حق»، حيث تم فعل ذلك بذكاء كبير من خلال استحضار الأيديولوجيا والخيال والزمن المقدس. تحدد التوراة – ككتاب ميثولوجي – شعب «إسرائيل» بوصفه شعباً مختاراً بينما الأغيار «غوييم» أدنى من الحيوانات، فما بالك إن كان هؤلاء الأغيار أعداء شعب الله المختار؟ بالرجوع إلى قصص التوراة كقصة دليلة وشمشون، توصف دليلة الفلسطينية «البلستية» بالزانية والفلسطينيون بالأعداء المتوحشين[22]. يقرأ الآخر «الصهيوني» القصة متفاخراً «ببطله اليهودي» شمشون ليقول: أنا هنا وكنت من قبل هنا، فيما تتثبت الأنا الفلسطينية بوجود الآخر المتمثل بدليلة والفلسطينيين. هكذا يعاد توظيف الزمن المتخيَّل من أجل إعادة إنتاج صورة الآخر مرة أخرى. فاليوم مثـلاً يُقدم «الإسرائيلي» الفلسطينيين من خلال صورة «المخرب الإرهابي الجبان الكاره للحياة» أمام «الإسرائيلي» صاحب صورة «اليهودي المحب للحياة، المتحضر، المنتصر والضحية».
هذا وإن صح افتراض أن التوراة وبتأويلاتها الصهيونية المعاصرة هي جزء حقيقي من تاريخ فلسطين، فمن البديهي أن تغدو قصة شمشون ودليلة إرثاً ينتمي إلى الشعب الفلسطيني المعاصر. غير أن ما حدث هو انتحال الصهيوني لشخصية أحد أطراف تلك القصة لبناء معادلته الاستعمارية. على هذا النحو تم اختراع الصورة الأسطورية من قبل الحركة الصهيونية لتكون واقعاً، فتمت سرقة قميص الزمن الأسطوري، ليرتديه أناس أتوا من أعالي البحار لا علاقة لهم بتاريخ فلسطين أو شعوبها، لا عرقياً ولا لغوياً أو ثقافياً ولا حتى دينياً – إن سلّمنا بأن يهودية موسى العبرية تختلف عن اليهودية المحدثة – أو إذا تمّ التسليم بأن أساطير الكتاب المقدس لها جغرافيا أخرى لا تمت بصلة لفلسطين كمكان. وهو ما ذهب إليه كثير من المؤرخين بدءاً من كمال الصليبي قبل ثلاثة عقود ونيِّف وانتهاءً بفاضل الربيعي[23] اليوم.
هكذا يعود «الصهيوني المستعمر المحتل» (وللدقة «المنتحل لتاريخ متخيَّل»)، إلى أرضه كي ينتظر فيها مسيحه المُخلِّص وباني الهيكل. وهكذا تخلِطُ هذه الصورة المفبركة والمعقدة بدرجة كبيرة الإسرائيلي المعاصر، بالمكان والزمان وصور الأنا القديمة المُنتحلة، فما كان أمام الضحية المنكوب بعدما استفاق من صدمته، إلا البحث عن مبررات وجوده في طيات الكتب المقدسة ومنها القرآن والأحاديث والمرويات الإسرائيلية في كتب التراث الإسلامي. هكذا تم الاستيلاء على العبري والإسرائيلي واليهودي لمصلحة الصهيوني. رغم أن العبري هو ذلك العابر للصحراء الممتدة من شمال الجزيرة العربية وجنوبها، ورغم أن الإسرائيلي هو ذلك المنتمي بالدم «لآل إسرائيل» تلك القبيلة القديمة التي نجح الصهاينة في طمس جذورها الحقيقية بنعتها – في مصطلح مفبرك – أنها ساميّة، وكذلك فعلوا باليهودي الشرقي وارث الديانة القديمة، ليأتي اليهودي الغربي بما أضافه من تصورات تعكس ذاته بوصفه حامـلاً شعار صهيون، وهو الاسم الكنعاني لجبل في أورشليم. ورغم ركاكة التزييف إلا أنه استطاع الصمود لقرن من الزمان وما زال. هكذا تمت السرقة وفبركة الصورة التي عشَّشت في المخيال الفلسطيني والعربي والإسلامي، من دون أن تخضع للنقد والتفنيد، بل ظلت تتطور وفقاً لمتطلبات التاريخ المعاصر والصراع على الأرض.
ثالثاً: صورة الآخر الإسرائيلي الجديدة
في خطاب
وممارسات القيادة الفلسطينية
كان الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» منذ بداياته – إلى غاية اتفاقية أوسلو – صراعاً وجودياً بين الأنا والآخر الصهيوني المستعمر. ولذلك كان الاعتراف بالآخر المستعمر المحتل نفياً للأنا والذات الفلسطينية، بحيث استقرت في الوعي والمخيال الفلسطيني، صورة ذلك الآخر السلبية بتعددها وتعدد مراحلها التاريخية. وذلك من أجل تكثيف وصقل الأنا النقية الفلسطينية الأخلاقية صاحبة الحق، التي تقابل الآخر الدنس المحتل المعتدي، بحيث ترسخت هذه الصورة ليس فقط في وعي القيادات الفلسطينية المتتابعة، أو الوعي الشعبي للفلسطينيين – فحسب، وإنما ردّدتها النخب الفكرية والأدبية المثقفة[24].
لذلك لم يكن ممكناً للقيادة الفلسطينية، إعادة إنتاج الصورة وتقديمها وتبنّيها انطلاقاً من مقاربة الاستمراء والقبول والاعتراف، إلا عبر معادلة الندية وشعار «سلام الشجعان»، الذي رفعته القيادة الفلسطينية من أجل الحفاظ على شرعيتها أمام الشعب الفلسطيني ودفع تهمة الهزيمة عنها، وكذلك ليسهل استبطانها في الوعي الشعبي الفلسطيني. من منطلق أن صورة الآخر هي الكل الذي ننسبه إلى الآخرين من أفكار ومعتقدات وسلوك وسمات، لتغدو لاحقاً شريكاً للأنا في تصورها لذاتها. إلا أن الجديد الذي حملته اتفاقية أوسلو لعام 1993، هو أن ذلك الآخر لم يعد خصماً ولا عدواً بل صديقاً مسالماً. والنتيجة البديهية لكل ذلك هي انتفاء معادلة الصراع الوجودي لمصلحة السلام العادل. بينما يشي الواقع بأن الآخر الأقوى يستميت منذ عقدين لنفي الفلسطيني – بشكل كامل – من دون الإفصاح عن المعادلة الوجودية، ورغم ذلك ظلت القيادة الفلسطينية سائرة في طريق تقديم صورة الآخر الجديدة الإيجابية.
1 –
خطابات القيادة الفلسطينية الهادفة
إلى تغيير صورة الآخر الإسرائيلي
في هذا الجزء من التحليل سنحاول إلقاء الضوء على العبارات – موضوع عينة البحث – بما احتوته من «الكلمات والمصطلحات والمفاهيم» الأكثر تداولاً. وذلك انطلاقاً من نقطة البحث عن المُغيَّب التقليدي في خطاب القيادة الفلسطينية المتعلق بصورة الآخر الإسرائيلي، لمصلحة ما هو جديد في ذلك الخطاب، والذي من شأنه تقديم صورة جديدة للآخر «الإسرائيلي». سيُكِبّ الوصفُ والتحليلُ – إذاً – على دلالات العبارات والممارسات الخطابية من خلال المسكوت عنه لكونه يحظى بالأهمية نفسها للمنطوق به. بل إنّ العبارات والممارسات الخطابية المُغيَّبة قد تكون أكثر أهمية من نظيرتها الحاضرة والمستحضرَة.
من قراءتنا للخطابات السياسية الجديدة الخاصة بالقيادة الفلسطينية – والمتعلقة بالآخر الإسرائيلي – يبدو جلياً غياب العديد من الكلمات والمصطلحات، وبالتالي غياب ما كان يرافقها من تصورات وسياقات، كان الآخر «الإسرائيلي» يتحدد من خلالها في وقت سابق، نذكر من بينها: الكيان الصهيوني، العدو الصهيوني، الكفاح المسلح، الثورة، قوى الإمبريالية، الأنظمة الرجعية، الجماهير، الانتصار، التحرير، تطبيق حق العودة، الميثاق، الانتفاضة.
في مقابل غياب المفاهيم والتوصيفات السابقة، وما كان يؤطرها من تصورات وسياقات تعبيرية، حلَّت مفاهيم جديدة طغت عليها حمولتها السياسية. وأكثر تلك المفاهيم تداولاً: دولة إسرائيل، شريك السلام، المفاوضات، المجتمع الدولي، المجتمع المدني، المنظمات غير الحكومية، المقاومة الشعبية – يقصد بها شكل واحد هو المقاومة اللاعنيفة، الحل العادل لقضية اللاجئين.
يشمل تحليل عيِّنة المفاهيم التي ترسم صورة الآخر الإسرائيلي – داخل خطاب القيادة الفلسطينية لِما بعد اتفاقية أوسلو – ستة نماذج من العبارات التقليدية والعبارات الجديدة – وهي الأكثر حضوراً وتداولاً في خطاب القيادة الفلسطينية وممارستها.
أ – ســـلام الشجعان
يحاول هذا المصطلح حماية الذات – القيادة الفلسطينية الرسمية – التي تنازلت عن شعارات الكفاح المسلح، من خلال تقديم تلك القيادة على أنها تتبنى خياراً شجاعاً وليس خياراً مبنياً على هزيمة. لكنه في الوقت نفسه، يقدم الآخر بوصفه الشجاع الذي يمدّ يده للسلام بعد أن كان يُتَصوّر عدواً جباناً. إنها هندسة الكلمات المبنية على النَّدَّية بين طرفي المعادلة، بينما يؤكد الواقع اختلال معادلة القوة لمصلحة الآخر «الإسرائيلي» إلى حد كبير. لهذا كانت فكرة النّدّية، مدخـلاً أيديولوجياً مناسباً لحفظ ماء الوجه وتمرير التسوية مع الآخر، الذي لم يُقْدِم على السلام لأنه انتصر ولأننا هزمنا، بل أقدم على السلام وفقاً لمعادلة لا غالب ولا مغلوب، بما تنطوي عليه من تمرير لمسلّمة قبول الآخر.
ب – الشريك
تم تقديم الآخر الإسرائيلي العدو في الخطاب الرسمي بكونه شريكاً، وبالتالي فهو متعاون، ما يجعل العلاقة معه بناءة وليست عدائية ولا حتى تنافسية. بهذا المعنى يصبح وجود الشريك ضرورياً من أجل الاعتراف بوجود الفلسطيني. وفي هذا نبذٌ لمعادلة الصراع الوجودي ونفي الآخر. هكذا قدم الخطاب الوجود الفلسطيني مرتبطاً بوجود العدو الذي تغيرت طبيعته، وبالتالي تغيَّرت صورته فأمسى شريكاً، ولأجل ذلك يتوجب القبول به.
ج – الطرف الآخر
تمّ «اختراع» هذا المصطلح للدلالة على الشريك والخصم الإسرائيلي في الوقت نفسه. فكلمة «طرف» تحيل على العلاقات الإيجابية والسلبية. ولهذا فهي ملائمة لمخاطبة الشعب الفلسطيني وإقناعه بنَدِّية العلاقة. وهي مقبولة جداً لدى الإسرائيلي الذي يرى فيها إنجازاً. أما تعبير «الآخر» فهو يختزن في اللاوعي سلبيات لامحدودة في الوعي الفلسطيني والعربي تاريخياً. وبالتالي فهو مُرْضٍ للفلسطينيين بشكل عام. لكنه في الوقت ذاته، يلائم الإسرائيلي لِما تتضمنه دلالاته «المعاصرة» من معاني القبول والحيادية. إنه مصطلح يتمّ اللجوء إليه كي لا يتم التّورّط في مصطلحات واضحة الحُكم.
د – المستوطنات
استخدم الآخر الصهيوني مصطلح مستعمرة بالإنكليزية (Colony)، لأنه يرتبط في الذهن الغربي ببدايات استعمار العالم الجديد بما يتضمنه من دلالات إيجابية. ورغم أنه يعني في اللغة العربية «إعمار ما هو خراب». استخدم الفلسطينيون مصطلح «المستعمرة» كتوصيف وحيد «للمدن والتجمعات الإسرائيلية» التي أقيمت في شتى أنحاء فلسطين التاريخية. ولكنهم حمّلوه بشحنة دلالية سلبية هائلة استقرت في الوعي والمخيال الفلسطيني.
بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 برز مصطلح «المستوطنات». ليتمّ استخدامه رسمياً على المستوى الفلسطيني، ومن ثمّ ليصبح متداولاً أكثر فأكثر على المستوى الشعبي، حتى بات هو التوصيف الوحيد المتداول. لقد استخدمت القيادة الفلسطينية مصطلح مستوطنة لوصف التجمعات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967. بينما تمّ وصف «التجمعات الإسرائيلية» الأخرى في فلسطين التاريخية على أنها مدن وبلدات. ورغم الجدل حول دقة المصطلح من عدمها لغوياً وقانونياً، إلا أنه يعَدّ مصطلحاً محايداً آنذاك في الوعي الفلسطيني لكونه محل مصطلح مستعمرة السلبي من حيث شحنته[25].
هـ – السيطرة بدلاً من الاحتلال
في اتفاقية أوسلو تم القبول بتقسيم مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلة لمناطق سيطرة A, B, C، وبقدر ما يعكس استخدام تلك التسميات تقسيمات تقنية، إلا أن ذلك قام بصورة غير مباشرة بإقصاء مصطلح «فلسطين المحتلة» ومصطلح «الأرض الفلسطينية المحتلة» نسبياً من خطاب القيادة الفلسطينية، ليتم تداول مصطلح «السيطرة» من قبل الآخر على مناطق مصنفة بذلك الشكل التقني.
2 – ممارسات القيادة الفلسطينية لتمرير صورة الآخر الإسرائيلي الجديدة
تقصد الدراسة بالممارسة الخطابية ما أشار إليه فوكو بقوله: «هي مجموعة من القواعد الموضوعية والتاريخية المعينة والمحددة دوماً في الزمان والمكان، والتي حددت في فترة زمنية بعينها، وفي نطاق اجتماعي واقتصادي وجغرافي أو لساني معطى، شروط ممارسة الوظيفة العبارية»[26]. أما نورمان فيركلاو فيقول، من جهته، إن الخطاب وأي ممارسة خطابية محددة ينظر إليهما بكونهما في الوقت ذاته: نصاً لغوياً سواء أكانا منطوقَين أو مكتوبَين. يرى فوكو أن الممارسة الخطابية (إنتاج النص وتأويله) هي أيضاً ممارسة سوسيوثقافية تتجلى على عدة مستويات: الوضع المباشر، الوضع الأعم أو المؤسساتي والمستوى الاجتماعي؛ موضحاً أن منهجيته في تحليل الخطاب تتضمن وصفاً لغوياً للنص، وتأويـلاً للعلاقات القائمة بين العملية الخطابية (إنتاج وتأويل الخطاب) والنص، ثم أخيراً تفسير العلاقات القائمة بين العملية الخطابية والعملية الاجتماعية[27].
في هذا المستوى وظفت «القيادة الفلسطينية» الكثير من الممارسات بهدف نقل ما يتم بثُّه في حقل الوعي – عن صورة الآخر – إلى أرض الواقع، ليتجسد ذلك الآخر حيّاً مادياً. كما سعت من وراء ذلك إلى تقديم الذات – شخص القيادة الفلسطينية الرسمية – بشكل مقبول أيضاً. فقدمت القيادة نفسها – مثـلاً – على أنها آتية لاستلام «السلطة الوطنية الفلسطينية» كمقدمة لإنشاء الدولة المستقلة؛ فيما كان الأمر لا يتجاوز كونه «سلطة حكم ذاتي». ومع أنّ اتفاقية أوسلو قد نصت على وجود قوات شرطة فلسطينية، فقد جرى توزيع تلك القوات ومنحُها أسماء متعددة توحي بوجود قوات عسكرية وأمنية لدولة قائمة على الأرض، بينما تمّ إطلاق اسم «المقاطعة» على مقر سلطة الحكم الذاتي في المدن الفلسطينية لزيادة الشعور بمركزية رئاسية لدولة قائمة. ناهيك بالحرص على أداء المراسيم والبروتوكولات التي تظهر السلطة كدولة ذات سيادة. هذا، إلى جانب إصدار جواز سفر رغم كونه في الحقيقة وثيقة سفر كما هو مكتوب عليه، وانشاء سفارات حول العالم. كل ما سبق، كان يستهدف تقديم صورة إيجابية عن الذات، عبر تظهير «الإنجازات وتضخيمها» من قبل القيادة الفلسطينية لكي تبرر في النهاية تقديم الآخر بصورته الجديدة المستساغة. في سياق تبرير التخلي عن الخطاب القديم وما يحويه من موقف عدائي من صورة الآخر، ومن أجل تمرير هذه الاستدارة النوعية فإن القيادة الفلسطينية – في كثير من الأحيان – لكي تبرر تبنيها لما هو جديد، قامت بالتهجم على ماضيها والتنكر له بشكل ما، وذلك حين تستنكر عمليات المقاومة، أو حين تطلق العنان للتطبيع الرسمي وتشجع التطبيع الشعبي، كما والتشديد من حين إلى آخر على الاعتراف «بالكيان الإسرائيلي»، مقابل اعترافه بها على ورق، ليتُوِّج كل ذلك بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني تمهيداً للتطبيع السياسي التاريخي الكامل مع «إسرائيل».
أ – التطبيع
يعد التّطبيع أحد أهم وأوسع التكتيكات التي استُخدِمت في سياق تقديم الصورة الجديدة للآخر «الإسرائيلي» المحتل. حيث مورس على المستوى الرسمي الفلسطيني والإسرائيلي معاً. فيما تمّ تشجيعه على المستوى الشعبي عبر مؤسسات وفعاليات ومؤسسات غير الحكومية وأكاديمية عديدة.
يقصد بلفظ التطبيع في هذه الدراسة: «إقامة علاقات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية مع دولة الاحتلال، على قاعدة أن الخلافات السياسية يمكن حلها عن طريق المفاوضات»، حيث يؤكد الكاتب «نصار إبراهيم» على خطورة التطبيع بقوله: إن التطبيع محاولة تهدف إلى القفز عن جذور الصراع والنظر إلى المقاومة والممانعة بوصفهما ممارسات غير عقلانية، فيما يعطي التطبيع غطاءً سياسياً وثقافياً لسياسة الأمر الواقع[28]. وقد اخترقت العبارات الخطابية للتطبيع في مستوى خطاب القيادة الفلسطينية الرسمية عدة مستويات، أهمها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والأكاديمي، دون أن نغفل عن واقع أن تلك العبارات كانت في لحظات كثيرة ممارسات تنتقل من كونها عبارات إلى ممارسات فعلية.
ب – الحدود والمعابر
جرى تمويه وإخفاء سيطرة «الإسرائيلي» على المعابر الحدودية في الضفة الغربية، بحيث يجلس الشرطي الإسرائيلي خلف الزجاج المعتم، بينما يجلس شرطي فلسطيني على الطاولة. يقدم المواطن الفلسطيني جواز سفره – شكـلاً – للشرطي الفلسطيني الذي يضعه بدوره في جارور، ويدفعه ليذهب في اتجاه ذلك الجالس خلف الزجاج. وبعد لحظات يرجع إلى صاحبه مختوماً. وفي حالات منع السفر، يطلب الشرطي الفلسطيني من المواطن الانتظار ليأتي شرطي إسرائيلي فيبلغه بالقرار أو يقوم باعتقاله. أما في غزة التي حازت – إلى جانب المعابر البرية – على مطار دولي فإن الإجراءات تتم بالشروط ذاتها ولكن بشكل مغاير.
خلاصة
لقد تشكلت صورة «الآخر الإسرائيلي» منذ بداية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، عبر صيرورة إنتاج وإعادة إنتاج متواصلة، بحيث تسود صورة بعينها في كل حقبة تاريخية، من دون أن تنفي وجود الصور الأخرى، بينما تميزت تلك الصور المتتابعة بسمة أساسية في كونها سلبية، إلى أن جاءت اتفاقية أوسلو ليتغير منطق تشكُّل تلك الصور. يمكن القول إن عملية بناء الصورة الجديدة لما بعد اتفاقية أوسلو عن الآخر قد ارتكزت على ثلاثة أقانيم: تَأسّس اثنان منها على الاستحضار بينما تأسس الثالث على التغييب. الأول وهو الصورة الجديدة التي يشترطها الآخر عن نفسه، والثاني وهو الصورة التي تقدم فيها القيادة نفسها، فيما تمحور الأقنوم الثالث على التغييب والنبذ للصور القديمة.
لقد شُكِّلت بواسطة «عملية السلام» حالة فريدة في صياغة رؤية الآخر المستعمِر المحتل. تقوم على استمرائه رغم كل المخزون السلبي المعنوي والفعلي الذي يمارسه على الأرض. وهنا الاختلاف الذي يميز الحالة الفلسطينية من سواها في محيطها العربي والذي كوّن صورة تاريخية عن الآخر الكولونيالي. بكونها عربياً صورة أضحت جزءاً من التاريخ تسهِّل عملية تغييرها لمن يريد قبول آخرِه. ويمكن أن نسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر: الجزائر والآخر الفرنسي. أما في فلسطين، فالمراد استمراء الآخر في ذات اللحظة التي يمارس فيها طغيانه بشتى أشكاله؛ فيما يملي هو ملامح صورته كما يريد ليتم تبنيها من قبل الشعب الفلسطيني. وخلافاً لكيفية تمثل صورة الآخر في المخيال الفلسطيني سابقاً، أصبحت القيادة الفلسطينية الرسمية شريكاً في بناء الصورة التي يقدمها الآخر الإسرائيلي – كوجه العملة الآخر للصهيوني الاستعماري – بل ووسيطاً ومروجاً لتلك الصورة الجديدة، من أجل الوصول إلى وضعية تتجاوز حالة تعايش الأعداء أو تعايش المهزوم مع هزيمته من جانب، وتعايشه مع المنتصر وغطرسته عن طيب خاطر، ووفق معادلة مفبركة تقوم على أساس لا غالب ولا مغلوب، رغم أن الواقع – بشكل واضح لا لبس فيه – كشف عن معادلة طرف آخر منتصر وطرف مهزوم. بالتالي لم يكن استمراء صورة الآخر «الإسرائيلي» بِرِضا وقبولٍ فلسطيني أمراً متاحاً بسلاسة وسهولة.
لقد جاء اتفاق أوسلو نتيجة أحداث وارتدادات وخيمة على الفلسطينيين، كان أهمها نزوح القيادة الفلسطينية نحو «المعسكر العربي المهزوم». بل يمكن القول إن هذا التوجه في تلك اللحظة التاريخية كان يعكس في عمقه استعداداً نفسياً وسياسياً للهزيمة لدى تلك القيادة منذ وقت مبكر جداً. ولوهلةٍ بدا أن الفلسطينيين في طريقهم نحو تمثل تلك الصورة الجديدة في فترة شهر العسل التي تلت اتفاقية أوسلو حتى العام 2000، غير أن وصول مفاوضات السلام إلى طريق مسدود واندلاع انتفاضة الأقصى، وما تلاها من حروب على غزة إضافة إلى كل ممارسات الاحتلال العدوانية المستمرة على الأرض، ومقاومة الشعب الفلسطيني بأشكالها كافة، كلها عناصر أدت إلى فشل الخطاب في مسعاه الرامي لجعل الوعي والمخيال الفلسطيني يمتثل ويقبل صورة الآخر الإسرائيلي بحمولتها الجديدة وفق معادلات غير متوازنة.
ومع ذلك لا يمكن أن ننفي أن خطاب القيادة الفلسطينية الرسمية – الذي قدم الصورة الجديدة للآخر «الإسرائيلي» – قد نجح إلى حد ما في إرباك وخلخلة المخيال الفلسطيني الذي تمثل صوراً بعينها تتعلق بذلك الآخر تقوم على العداء والسلبية. كما فرض خطاب القيادة الفلسطينية الرسمية تمثُّل الصورة الجديدة للآخر «الإسرائيلي» شرطاً لدخول أي فلسطيني فضاء قيادة الشعب الفلسطيني الرّسمية، التي تهيمن على المؤسسات وعلى القرار الفلسطيني بشكل شبه كامل. وهو ما يعَدّ نجاحاً في طريق تغيير الوعي والذاكرة والمخيال الفلسطيني على المدى البعيد.
المصادر
[1] تعَدّ «اتفاقية أوسلو» أول اتفاقية رسمية تُوقَّع بشكل رسمي مباشر بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. جرى توقيعها بواشنطن بتاريخ 1993، وتعلقت بإعلان مبادئ ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي. سمِّيت بـ «اتفاقية أوسلو» نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي احتضنت المحادثات السرّية بين الطرفين عام 1991. وتُوِّجت بهذا الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد؛ وذلك تمهيداً لتوقيع معاهدة السلام بواشنطن.
[2]كورنيليوس كاستورياديس، تأسيس المجتمع تخيلياً، ترجمة وتقديم ماهر الشريف (دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2003)، ص 504.
[3]بالرجوع إلى نصوص أدبية وأكاديمية عديدة، نجد الكثير من التحليلات التي تذهب إلى تلك النتيجة، فمثـلاً يقول محمود درويش في قصيدته طباق «عن إدوارد سعيد»: وأدافع عن بلد خَطَفتْهُ الأساطيرُ.
[4]إدوارد سعيد، «تجربة الاستلاب،» الكرمل، العدد 3 (1981)، ص 31 – 32.
[5]شلومو ساند، اختراع الشعب اليهودي، ترجمة سعيد عياش (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 2010)، ص 10.
[6]للمزيد من التوضيح حول مفهوم التمثلات، انظر إلى: Serge Moscovici, La Psychanalyse, son image et son public (Paris: Presses Universitaires de France, 1976), p. 1.
[7]محمد أركون، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟، ترجمة وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار الساقي، 1993)، ص 12.
[8]الزواوي بغورة، مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000)، 131.
[9]عبد الله إبراهيم، عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين (أبو ظبي: المجمع الثقافي، 2001).
[10]يقول عبد الله إبراهيم في سياق بناء صورة الأنا للآخر: «أنتجت القرون الوسطى الإسلامية مرويات كبرى شبه ثابتة عن الأعراق والثقافات والعقائد خارج دار الإسلام والصور المتخيلة للآخر في المخيال الإسلامي كرستها الخلافات الدينية والصراعات السياسية وتباين المنظومات القيمية والثقافية، وما دامت تلك المرويات توجه أفكار المؤرخين والجغرافيين والرحالة والمفكرين والفقهاء وكل من يصوغ الصور الجماعية الذهنية الخاصة بالآخر فمن المنتظر الحصول على سلسلة من الأحكام غير المنصفة بحقه، فالعالم خارج دار الإسلام – كما قالت تلك المرويات – غفل ومبهم وبعيد عن الحق وبانتظار عقيدة صحيحة لإنقاذه من ضلاله، وفي ما يخص الذات أنتج «التمثيل» ذاتاً نقية وحيوية ومتضمنة الصواب المطلق والقيم الرفيعة والحق الدائم. أما في ما يخص الآخر فقد أنتج التمثيل «آخر» يشوبه التوتر والالتباس والخمول والكسل، وذهب بالنسبة إلى الأقوام الثانية إلى ما هو أكثر من ذلك حينما وصفها بالضلال والتوحش والبوهيمية». انظر: المصدر نفسه.
[11]محمد نعيم فرحات، «دراسة عن المنفى الفلسطيني: البنية والتحولات،» مجلة إضافات، العدد 10 (شتاء 2010)، ص 146.
[12]محمد عبد العاطي، «المقاومة الفلسطينية: ثورة الإنسان والحجر،» الجزيرة.نت (3 تشرين الأول/أكتوبر 2004)، <http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/a1420287‑8fd5‑4c2e-9a4c-b54178af1998>.
[13]المصدر نفسه.
[14]عبد الرحيم الشيخ، الهوية الثقافية الفلسطينية: المثال والتمثيل والتماثل (رام الله: مسارات، 2013).
[15]صورة الآخر العربي: ناظراً ومنظوراً إليه (ندوة)، تحرير الطاهر لبيب (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999)، ص 21.
[16]يقول عبد الله إبراهيم في توطئة كتابه: «تمثل المرويات ذاكرة يصار إلى استعادة حمولاتها طبقاً لحاجات الوعي الجماعي في ظروف تاريخية محددة من أجل أهداف عامة». انظر: إبراهيم، عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين.
[17]زهير الخويلدي، «دلالات المتخيل الاجتماعي عند كاستورياديس،» متوسط أون لاين، السنة 2، العدد 183 (2010)، <http://www.mutawassetonline.com> (استرجعت بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 2016).
[18]عامر عبد زيد، «المتخيل في العراق القديم،» الحوار المتمدن، العدد 1879 (8 نيسان/أبريل 2007) (استرجعت بتاريخ 1 شباط/فبراير 2016)، <http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=93306>.
[19]المصدر نفسه.
[20]سعيد، «تجربة الاستلاب،» ص 17.
[21]ميرسيا إلياد، مظاهر الأسطورة (دمشق: دار كنعان، 1991)، ص 22.
[22]الكتاب المقدس، «سفر القضاة،» الأصحاح 16، ت: فاندايك والبستاني، شتوتغارت، 1991.
[23]يمكن الرجوع إلى كتاب كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1985)، وكتاب فاضل الربيعي، فلسطين المتخيلة: أرض التوراة في اليمن القديم (بيروت: دار الفكر المعاصر، 2008).
[24]محمود درويش – مثـلاً – عبر عن ذلك المخزون السلبي اللامحدود المتعلق بذلك الآخر في قصيدته الشهيرة «أيها المارّون بين الكلمات العابرة» حيث يقول: «ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا». ولكن درويش نفسه عاد وتحدث عن الجندي الضحية الذي يحلم بالزنابق لاحقاً.
[25]يذكر أنه جرت محاولات لاختيار مصطلح أكثر سلبية لنزع الاعتراف ودون الوقوع في جدلية اللغة والمعنى والدلالات منها أن قوى المقاومة الفلسطينية التي عارضت اتفاقية أوسلو أطلقت مصطلح «مغتصبات» على التجمعات السكانية الإسرائيلية أينما كانت.
[26]ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، ط 2 (بيروت؛ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1987)، ص 109.
[27]Norman Fairclough, Language and Power (London: Pearson Education Limited, 2001), p. 97.
[28]نصار إبراهيم، «ما هو التطبيع… لماذا يجب مقاومته بقوة… وما هو البديل!؟،» الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين (18 آب/أغسطس 2015)، <http://www.gupw.ps/ar/cultural/1091.html> (استرجعت بتاريخ 1 شباط/فبراير 2016).
مركز دراسات الوحدة العربية