ليلة سقوط القسطنطينية


نبيه البرجي
أجل … ليلة سقوط القسطنطينية !
الذين لم يتركوا حجراً في مغارة علي بابا . الذين حكموا لبنان بشراهة مصاصي الدماء لا بحصافة رجال الدولة . الآن , الآن فقط , لاحظوا أن الدولة تحتضر . هوذا الزلزال يدق على بابهم …
ديمقراطية ؟ أسوأ أنواع الديكتاتوريات , أسوأ أنواع التوتاليتاريات . رولان دوما قال للسفير اليزيه علم “لو كنا في مؤتمر الطائف لقلنا لكم انتبهوا , لقد اخترتم طريق الجلجلة” .
وزير الخارجية السابق سأل “هل تعلم ماذا تعني فديرالية الطوائف ؟ الازدواجية القاتلة في ادارة الدولة . هنا بارونات الطوائف لا يستمدون صلاحياتهم من الشعب وانما من الغيب. فوق المساءلة , وفوق المحاسبة . هكذا أنظمة القرون الوسطى . لعلكم في الشرق خبرتم العديد من هذه الأنظمة” .
النظام الطائفي لا يمكن الا أن يكون فاسداً . هكذا تشي البنية الفلسفية لهذا النظام . أشد هولاً من الفديرالية القبلية , والفديرالية الاتنية , والفديرالية المناطقية . خادع الكلام عن العيش المشترك (والأفضل الحياة المشتركة) . هنا … النهب المشترك .
بارونات الطوائف الذين حولوا الجمهورية الثانية الى مغارة علي بابا , فوجئوا بأن البقرة الحلوب تحولت الى
هيكل عظمي ويتفكك قطعة قطعة . هل المشكلة في أرقام الموازنة أم في أركان الجمهورية ؟
عجيب , كيف لرجل دولة ألاّ يتنبه للصعود الكارثي للدين العام . خبراء دوليون دأبوا على التحذير من الساعة الأغريقية . لا أحد اكترث بالأجراس التي أصمّت آذاننا . لبنان الثالث في الدين العام (نسبة الى الناتج المحلي) بعد اليابان , وهي الاسطورة الصناعية والاقتصادية , وبعد اليونان التي وراءها القاطرة الأوروبية . على الأقل القاطرة الألمانية .
من وراءنا نحن ؟ المنطقة العربية في اقصى حالات الهلهلة . لا بل أن هناك من يتمنى لنا الخراب . كلنا يعلم من هي القوة التي أوقفت لعبة الدومينو عند الحدود بعدما دخل البرابرة الى أرضنا , وكادوا يرفعون الرايات السوداء على سطوح منازلنا . .
أولئك الذين لم يتمكنوا , على مدى ربع قرن , أو أكثر , من حل مشكلة الكهرباء , ولو أخذاً بالنموذج الصومالي أو بالنموذج الموريتاني (ممّ يشكو نموذج بنغلادش ؟) . الآن , أيضاً , اكتشفوا أن هذه المشكلة (هذه الفضيحة) تدفع الدين العام الى المائة مليار دولار .
لا تخافوا , حين تبلغ دولة لبنان الكبير المائة عام , يحتفل اللبنانيون بالمائة مليار دولار . زينة لبنان … الدين العام .
نحن دولة الموتى . نحن المقبرة . حنا غريب راح يصرخ عند اسوار السفارة الأميركية . يكفينا الصراخ في الهواء . الأورام الخبيثة تأكل عظامنا . الرفيق حنا زعزع جدران البيت الأبيض .
حتى الصراخ عندنا بات ظاهرة فولكلورية . هل من غيفارا لبناني ؟ هل من زاباتا لبناني ؟ هل من مانديلا لبناني؟ هذه الطبقة السياسية ينبغي أن تحزم حقائبها وتغادر .
وحده فؤاد السنيورة وقف في وسط الحلبة . استنفر حمولة ألف عام من الطائفية , والمذهبية , ليقول “لست مذنباً . من يتهمني انما يتهم الاسلام” . نعلم , ويعلم الكل , أنه ليس وحده من صنع هذه الفجيعة . تذكّروا أنها فديرالية الطوائف. الوجه الآخر لفديرالية المافيات !
هذه جمهورية تعلّم أبناءها كيف يكونون اللصوص , وكيف يكونون الدمى , وكيف يكونون الموتى . الأنهار تحولت الى مستنقعات , مصانع للأوبئة . الجبال تحولت الى حفر أشبه ما تكون بالحفر التي في جهنم (هكذا ألمحت الميتولوجيات القديمة) .
في اي دولة في الدنيا يأكل لوردات الفساد الجبال ؟ كاد صنين , جارنا صنين , أن يستغيث بالرفاق , جبال العالم , بعدما شاهد قوافل البلدوزر تقترب منه . من يعترض , حتى ولو خرّ صنين , بكل بهائه , صريعاً ؟
ذاك اللبناني الميت الذي تحيط به الأنهار من كل حدب وصوب , ثم يركض وراء الصهاريج . ذاك اللبناني الذي يمشي على طرقات لم تعد تصلح حتى للبغال . ذاك اللبناني الذي اذا دخل الى ادارة عامة , أو الى مؤسسة عامة , كما لو أنه يدخل الى الأدغال .
يحق لمصاصي الدماء ألاً يصغوا الى الأنين , والى الخراب السوسيولوجي الذي فوق كل خراب . ولكن أن يتحول اللبنانيون الى مومياءات طائفية , مومياءات مذهبية , وتداربالريموت كونترول . هنا الطامة الكبرى .
أين هو المكان في لبنان الذي لم يأكله الفساد ؟ أخيراً , علمنا اننا الدولة الخامسة في التلوث . ماذا نقول للجبال , وماذا نقول للأودية , وماذا نقول للأنهار , وماذا نقول للعتابا والميجانا ؟ استطراداً , ماذا نقول للقمر , وقد كتب لامارتين أنه , كعاشق , كان يتدحرج بين غابات الصنوبر ؟
الآن فقط , لاحظ بارونات الطوائف أن الدولة في حال موت سريري . مضحك الجدل حول أرقام الموازنة . مضحك الجدل حول الاصلاحات المالية .
يا صديقنا قس بن ساعدة , قم قليلاً من قبرك . قل لهم ان الاصلاح يبدأ من الرؤوس , وبالرؤوس . لن ترى أحداً يصغي اليك . ابق في قبرك . القسطنطينية لا تسقط بيد السلطان العثماني . تسقط بأيدي أهلها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post لجحشنولوجيا
Next post الحراك الشعبي …بالجزائر سلميتنا