ابن خلدون وعلم الاجتماع

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_هو العلم الذي يهتمُّ بدراسة جماعات البشر وخصائصها وما يحدث بينها من تفاعلات مختلفة وعلاقات بين أفرادها، وهو أيضًا يشمل دراسة الحياة الاجتماعية للبشر سواءً كانوا على شكل جماعات أم مجتمعات، ويعدّ مؤسّس علم الاجتماع في العالم الغربي أوغست كونت من أهمَّ العلماء في هذا المجال، أمَّا عند العرب فيعدُّ ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، وتقدم هذه الدراسات التي يتناولها علم الاجتماع المساعدة للمعلمين والمربِّين والمشرعين والمدراء وغيرهم كثير من أولئك الذين يهتمون بحلول المشاكل الاجتماعية ويتولَّون صياغة السياسة العامة للدول، وفي هذا المقال سيدور الحديث في رحاب بحث حول ابن خلدون. بحث حول ابن خلدون قبل البَدء في بحث حول ابن خلدون يجدر بالذكر المرور على لمحة تعريفية حوله، هو المؤرخ العربي عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون أبي زيد، وليُّ الدين الإشبيلي الحضرمي، والشهير باسم ابن خلدون الذي يعدُّ مؤسسًا لعلم الاجتماع وأبًا للاقتصاد والتاريخ، من أشهر العلماء العرب على الإطلاق، أصله من الأندلس لكنَّه ولدَ في تونس عام 1332م، درسَ في جامعة الزيتونة وبعدَ أن تخرَّج منها تنقَّل في مختلف المدن والبلدان في الشمال الأفريقي، حيثُ سافرَ إلى بسكرة ثمَّ إلى غرناطة ثمَّ إلى بجاية ثمَّ إلى تلمسان، وفي النهاية رحلَ إلى مصر فاستقبله السطان هناك الظاهر برقوق وأكرمَه وولاه قضاء المالكية فيها، وبقي في مصر ما يقارب الخمس وعشرين سنة إلى أن توفي في عام 1406م بعد أن بلغ السادسة والسبعين من العمر، دُفن في شمال القاهرة قُرب باب النصر
ولدَ ابن خلدون في أسرة أدب وعلم وجاه، فحفظَ كتاب الله تعالى منذ طفولته وكان والده هو أول معلم له، وقد كان أجداده من أهل الجاه والمناصب في الأندلس ثمَّ في تونس، حيثُ شغلوا العديد من المناصب الدينية والسياسية المهمة وكانت لهم سطوة ونفوذ، نزحَ أجداده من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، واستقروا في تونس خلال حكم الحفصيين لها، ويُرجعُ ابن خلدون أصله إلى حضرموت وقد كان اسم عائلته الحضرمي وذكرَ أنَّه من سلالة الصحابي وائل بن حجر، فقال في كتاب العبر المعروف باسم تاريخ ابن خلدون: “ونسبنا في حضرموت من عرب اليمن إلى وائل بن حجر من أقيال العرب معروف وله صحبة”بعد أن تخرَّج من جامعة الزيتونة سافرَ إلى مدينة بسكرة الجزائرية حاملًا علومه معه وتزوج هناك، ثمَّ انتقل إلى مدينة فاس ثمَّ إلى غرناطة وإلى إشبيلية ثم عاد إلى المغرب، وأقام لمدة أربع سنوات في قلعة ابن سلامة وبدأ بتأليف كتاب العبر وأكمله في تونس، وقدَّم نسخة منه للسلطان في تونس، وألحقه بطلب الرحيل إلى مكة لأداء فريضة الحج، لكنَّه صادفَ سفينة متوجهة إلى الإسكندرية فركب معها وهناك توجه إلى القاهرة حيثُ قضى بقية حياته فيها، وتولَّى قضاء المالكية فيها بصفته فقيهًا ضليعًا ومتميزًا وخصوصًا أنه من دارسي جامعة الزيتونة، يعدُّ ابن خلدون مؤسسًا لعلم الاجتماع وهو أوَّل من وضعَ له أسسًا حديثةً، وله العديد من النظريات حول العصبية وقوانين العمران، وحول بناء الدول وأطوار أعمارها وسقوطها، فكان فيسلوفًا واقتصاديًّا وفلكيًّا وفقيهًا ومؤرخًا وحافظًا وعالمَ رياضيات ورجلَ سياسة، وقد سبقَ بما توصَّل إليه الكثير من العلماء الكبار على مستوى العالم مثل العالم الفرنسي أوغست كونت الي يُنسب له علم الاجتماع بعد العديد من التجارب التي خاضها ابن خلدون وهي تجارب مليئة بالأحزان والصراعات تعرض فيها لوفاة والديه والكثير من أشياخه بسبب الطاعون الذي ضربَ جميع أنحاء العالم في ذلك العصر، قرر ابن خلدون أن يعتزل الناس ومباهج الحياة، فتفرَّغ لمدة أربع سنوات تقريبًا يشغلُ نفسه في التنقيب والأبحاث في شتى العلوم الإنسانية واعتزل في السنوات الأخيرة من عمره، فكتبَ في تلك الفترة أهم مؤلفاته على الإطلاق والتي كرسته مؤسسًا لعلم الاجتماع بناءً على ما توصَّل إليه من تحليل واستنتاج في القصص التاريخية وحياة البشر متَّخذًا نهجًا صارمًا في التفكير والبحث وفي بحث حول ابن خلدون لا بدَّ من الإشارة لأقوال العلماء والمفكرين الكبار في ابن خلدون، حيثُ يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين: “ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي بدون شكٍّ أعظم ما توصَّل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم”، وأمَّا مكسيم غوركي فقد بعث برسالة إلى المفكر الروسي أنوتشين يقول له فيها: “إنك تنبئنا بأنَّ ابن خلدون في القرن الرابع عشر كان أول من اكتشف دور العوامل الاقتصادية وعلاقات الإنتاج، إنَّ هذا النبأ قد أحدث وقعًا مثيرًا وقد اهتم به صديق الطرفين -المقصود به لينين- اهتمامًا خاصًّا”، وأمَّا لينين فيتحسَّر قائلًا: “ترى أليس في الشرق آخرون من أمثال هذا الفيلسوف”، وغيرهم كثير، وفي نهاية بحث حول ابن خلدون سيتمُّ ذكر أهم المؤلفات التي تركها وراءه بعد 76 سنةٍ من الدراسة والبحث والعطاء، حيثُ عدَّد له المؤرخون الكثير من المؤلفات في شتى المجالات من منطق وحساب وتاريخ، ولكنَّ أشهر مؤلفاته على الإطلاق هو الكتاب الذي أطلق عليه اسم: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، يتألف من سبعة مجلدات وأوَّل هذه المجلدات هو المقدمة الشهيرة والتي تُعرف بمقدمة ابن خلدون، وهي تأخذ ثلث الكتاب تقريبًا، حيثُ تمثِلُ مدخلًا رئيسًا موسّعًا إلى الكتاب، يفصل فيها ابن خلدون ويؤصل لجميع آرائه في العمران والجغرافيا وطبائع البشر وأحوالهم وغير ذلك

weziwezi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الوقت قد حان لتغيير مسار سياسة الأمم المتحدة في لبنان
Next post مكافحة الإرهاب..بريطانيا..إجراءات و قوانين جديدة لمواجهة التطرف