شعوب المنطقة.. مكابدة مشتركة تفترض الكفاح المشترك والمصير الواحد

سعيد مضيه

من المبكر الحديث عن نزول نتنياهو عن المسرح السياسي؛ يا ما في جراب الحاوي يباغت به المتفرجين! لكن انفراد نتنياهو بالعروض المسرحية شارف النهاية؛ إذ لم يعد لديه الأغلبية المطواعة بالكنيست، والأهم من ذلك كساد بضاعته التي أخاف بها جمهوره المتلقي بغير نقد ليدعي أنه الضامن لأمن إسرائيل. وقبل أن يغادر نتنياهو المسرح يشهد بأم عينه تصدع حلفه الذي راهن عليه بالمنطقة؛ محمد بن سلمان يبعث الرسائل الى طهران ينشد التسوية السلمية للخلافات. راهن نتنياهو طويلا على ترويج خطر من طرف إيران يبيد إسرائيل ويستعبد المنطقة ، دون أن ينتظر من الجمهور المتلقي اعتراضا بان لدى إسرائيل غواصات في عرض البحر تحمل رؤوسا نووية! وبعض دول الخليج كان متحرقا للتحالف مع إسرائيل لمحاربة إيران؛ توهم الطرفان قيام إدارة اميركية بشن عدوان ينزل الدمار بإيران؛ وحيث ينشغل العالم حينئذ بمحنة إيران راود اليمين الفاشي في إسرائيل حلم توفر فرصة تنظيم مجازر بشرية في أكثر من موقع بالضفة، تروع جمهور الفلسطينيين وتفقده الصواب فيهرع بالرحيل خارج الوطن! عزف ليبرمان على أوتار تهجير الفلسطينيين ضمن التباسات حرب بالمنطقة. وحينئذ تتسيد إسرائيل المنطقة بأسرها. وجه التحذير لحكام الخليج من عواقب قصر نظرهم المفكر المصري، عبد العظيم حماد، في مقال كتبه بصحيفة الشروق المصرية، اكد فيه فيما لو تعرضت إيران لضربة منهكة فستغدو البلدان العربية كافة لقمة سائغة لأطماع إسرائيل من اجل الهيمنة على المنطقة .
السيناريو سبق أن ترددت فصوله على ألسنة أقطاب اليمين الفاشي في إسرائيل. لسنوات متعاقبة ضغط نتنياهو وانصاره بالولايات المتحدة من أجل مهاجمة إيران بعد غزو العراق، كانت سبع دول بالمنطقة، منها إيران وسوريا واليمن وليبيا مرشحة لتغيير انظمتها بتدخل عسكري أميركي إبان إدارة بوش الابن. سخرت الليبرالية الجديدة التيارات الدينية ، وخاصة الوهابية، في حربها الباردة لاحتواء دول المنطقة. في هذا السياق دفعت عملاءها لتنفيذ مخطط سياسي و اقتصادي واتباع نهج تعليمي يسلم السلفيين اجهزة التعليم ضمن توجه لإخصاء التفكير ووأد النظرة العلمية. أخذت تتردى الحياة الثقافية ويتدهور الاقتصاد ويضيق الخناق على الحريات العامة. تعايش في المجتمعات العربية كافة تدين العبادات مع الجبرية والانحلال الاجتماعي والخلقي وانتشار الفساد والإفساد والغش في تداول السلع وفي إنشاءات المقاولين. شاعت ظاهرة نهب المال العام، وتعطيل مشاريع التنمية واختصار الخدمات الاجتماعيىة، خاصة التعليم والصحة، ليعم السخط المجتمعات العربية كافة، ولتغدو مهيأة للغزو الداعشي المدبر داخل كواليس الدبلوماسية الامبرالية -الإسرائيلية.
توفرت القناعة لدى إدارة أوباما بأن صداما مسلحا مع إيران سوف لن يعود بالدمار على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. بعد ان تكسرت مجاديفه تحول نتنياهو الى الجمهوريين في أميركا يحثهم على الوقوف بجانبه في الضغط من اجل توجيه الضربة ” الوقائية” لإيران؛ وسخر الراحل اوري أفنيري من موقف نتنياهو؛ فالجمهوريون سوف يطالبونه بالتعقل حين يتسلمون الحكم، وهكذا كان. اكتفت إدارة ترمب بفرض الحصار الاقتصادي المشدد على إيران ، على امل تقويض قدرة إيران على إفشال صفقة القرن.
ونتنياهو لا يكل ولا ييأس؛ رعى في الكنيست قانون قومية دولة إسرائيل وحظي من ترمب بانتهاك القرارات الدولية بشأن القدس والجولان ومستوطنات الضفة. طفق يروج بين أوساط اليمين الإسرائيلي أنه الحامي لأمن إسرائيل ، وكثف الدعاية حول “تحولات ” في العالم العربي بفضل حصافته السياسية الفريدة ، استطاعت حشد تحالف عربي واسع بجانب إسرائيل، محور التصدي للعدوان بالمنطقة ، وليس مصدر العدوان المستدام بالمنطقة طوال سبعة عقود خلت.
وجراب الحاوي لا ينفذ؛ فلا أقل من أن يروج نتنياهو لحلف وهمي مع دول خليجية ، وعلى رأسها السعودية، لتوجيه الضربة العسكرية لإيران . بضاعة الخوف على امن إسرائيل لم تزل تحظى بالقبول داخل إسرائيل، تسند لنتنياهو الدور الاستثنائي في توفير الحماية لأمن إسرائيل. والحقيقة التي تطمسها دعاية اليمين الإسرائيلي تؤكد ان معظم دول الخليج والرجعية العربية بأجمعها لم تناصب إسرائيل العداء؛ كانت علاقاتها التبعية بالامبريالية مسربا سريا يصلها بإسرائيل. وفي الوقت الراهن تتردد داخل إسرائيل الدعوة لتشكيل ” لجنة تحقيق للتحري اذا تم إجراء مفاوضات في عام 1950 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد”. المفاوضات عبارة عن “تواطؤ إسرائيل لترحيل اليهود العراقيين عن وطنهم بما في ذلك الأعمال الإرهابية ضد اليهود..”. تشكلت في إسرائيل “لجنة يهود بغداد” في رمات غان من اليهود العراقيين والأكراد قررت التصدي بقوة “للدعاية الحكومية الإسرائيلية المتجددة لمواجهة حقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال استخدام مطالبات اليهود الذين غادروا الدول العربية لإسرائيل في 1950″، كما كتب طلال الربيعي مؤخرا في الحوار المتمدن. اوردت الهيئة الجديدة في بيانها “إن الطريقة التي تستخدم بها المؤسسة الإسرائيلية تاريخنا منذ الخمسينيات من القرن الماضي، هي ليست من أجل استعادتنا لحقوقنا، ولكن من أجل التملص من حقوق الفلسطينيين, وتجنب إبرام اتفاق سلام معهم”.
قام بزيارات لدول خليجية وأرسل البعثات التي استقبلت بترحاب ، واستقبل وفودا اهلية ورسمية، حركات استعراضية استثمرها لطمأنة أنصاره في الداخل والخارج ان الجور النازل بالفلسطينيين لا يترك أصداء سلبية لدى عالم العروبة، وان بمقدوره مواصلة النهج العنصري الفاشي على الأرض الفلسطينية حتى النهاية، وهو ما ضُمّن برنامجه الانتخابي لدورتين متتالين هذا العام، بموجبه قاد نتنياهو اليمين واليمين الديني نحو أغلبية تمكنهم من قيادة السياسة الإسرائيلية دورة اخرى. بلغ التعصب القومي للبيض داخل إسرائيل ذرى غير مسبوقة بفضل تصاعد نفوذ اليمين الشعبوي الفاشي في اكثر من بلد واكثر من قارة. بلور فلسفة اليمين الفاشي الفيلسوف الإسرائيلي يورام هازوني في كتابه “فضيلة القومية”، الذي نال إطراء التيار المحافظ وجائزته لهذا العام . كتاب هازوني ادى مهمة كبرى في كبسلة سيكولوجيا قومية البيض العنصرية؛ لم يبق بنيامين نتنياهو سرا تحمسه لزعماء قوميين من شاكلة بولسونارو في البرازيل وفيكتور أوربان في هنغاريا، كما يقول هازوني. وفي عرض قدمه الكاتب والمحلل مرتضى حسين ، المقيم في تورنتو الكندية، يورد ان الكتاب دعوة للتنصل من الحقوق والقوانين الكونية. يسري كالعرق في ثناياه غضب هازوني إزاء النقد الأممي لإسرائيل بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان. يطلق هازوني مفهوم الامبريالية على “تدخل الأجانب بدوافع غير مشروعة في ما تفعله البلدان داخل حدودها”. والى جانب إسرائيل هناك دولتان، حسب ادعاء هازوني ، كانتا ضحيتين لتسفيه الليبراليين والعولميين إحداهما دولة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا . وإسرائيل تدافع عن سيادتها حين ترفض الانتقادات الموجهة ، كما يزعم الكتاب. يتساءل الكتاب بغضب لماذا يواصل العالم توبيخ الإسرائيليين بصدد دولة فلسطينية!!
تنامت بتسارع عودة الوعي لشعوب المنطقة، إذ أدركت هشاشة قوى التحالف المضاد. حدثت في الأقطار العربية تفاعلات مع صمود إيران وحزب الله وانتفاضتي الجزائر والسودان. وشرعت جماهير مصر والعراق تتحرك ضد الأنظمة الاستبدادية. تفاعلات تؤكد نبضات الحياة في القومية العربية، بعد أن يئس منها مثقفون كثر في عالم العروبة. “الكامن النائم فينا بدأ يستيقظ”، مقولة للروائي واسيني الأعرج.
إن صمود جبهة المقاومة بوجه موجات الغزو والعدوان بالمنطقة قد شكل مصدا منيعا بوجه تطاولات تحالف الامبريالية –إسرائيل، وعطل بقدر كبير اكنمال المشروع الصهيوني للاستحواذ على كامل فلسطين. تستيقظ بالتدريج الجموع الشعبية في الأقطار العربية كافة، تحدوها طموحات التحرر والديمقراطية والتنمية. وقد باتت تعي الوحدة الاندماجية بين الامبريالية والصهيونية ، ووعت عداء إسرائيل للشعوب العربية كافة ولحركانها الوطنية الديمقراطية. كما استعادت الوعي الجموع اليهودية التي كابدت مرارة ا لانصياع لمكيدة الصهيونية بانها وفدت من مجتمعات متخلفة ويتوجب عليها المرور بفترة نقاهة!! هذه الجموع العربية، ممن قدمتهم الرجعية العربية هدية للصهيونية، استيقظت على الحيف النازل بها وتتطلع للتحالف مع حركة التحرر الفلسطينية. وكان فريق من شباب الجيل الثالث من اليهود العرب داخل إسرائيل قد تحمس للانتفاضات العربية أوائل العقد الحالي وأعلن اصطفافه مع حركة تحرر الشعب الفلسطيني. ويبدو أنها أخمدت مع إخماد الانتفاضات العربية على أيدي قوى الليبرالية الجديدة التي اندفعت بسرعة في ثورة مضادة جرى التستر عليها بقناع الربيع العربي والخريف العربي. اورد الربيعي على لسان الشاعر والكاتب، ألموج بيهار، أحد مؤسسي لجنة يهود بغداد، قوله “نحن جزء من الذاكرة العربية والتاريخ والثقافة, ومن الخطأ أن ينسى العالم العربي دورنا فيه، تماماً كما كان من الخطأ لإسرائيل أن تطلب منا محو عروبتنا أو نسيان ماضينا ولغتنا.”
ان نجاحات جبهة المقاومة بالمنطقة منذ الردع الناجح لغزو الشراذم الإرهابية لسوريا والمسنود من قبل التحالف المعادي، تبين بجلاء أن المكابدة المشتركة تحتم المصير المشترك لشعوب المنطقة في الصراع الدائر بالمنطقة. والتجارب القاسية التي مرت بها شعوب المنطقة اكدت اصطفاف القوى المتصارعة: ائتلاف الرجعية العربية ودول الغرب الامبريالية وإسرائيل ضد شعوب المنطقة كافة وحركاتها التحررية . تتضافر جميع روافد المقاومة بالمنطقة كل في مجاله ، وحسب التباسات ظروفه الخاصة، والمطلوب عدم فرض تكتيك قوة متصلة ببعدها الاستراتيجي على الشعب الفلسطيني المقطوع عن بعده الاستراتيجي. والعمليات المسلحة ضد احتلال مسلح بأرقى التقاني العسكرية إنما يقدم هدية مجانية للعدوان الإسرائيلي كي يبطش ويرهب الجماهير ويشل المقاومة الشعبية الفلسطينية. إسرائيل تروع الجماهير العزلاء وهي تواجه المقاومة المسلحة؛ فمن المستحيل تزامن مقاومة شعبية واخرى مسلحة
تتهيأ ظروف تصعيد مقاومة شعبية داخل فلسطين ضد الفاشية الإسرائيلية ، والامكانات متوفرة لأن تتحالف معها شرائح من اليهود تتعاظم قوتها باضطراد. عودة الوعي لشعوب المنطقة من شانها ان تبعث الحركة في البعد الاستراتيجي للمقاومة الشعبية الفلسطينية؛’ كفاح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة مرتبطان عضويا بالنضال المناهض للهيمنة الامبريالية على المنطقة ، والنجاح مرهون بتقويض الهيمنة الامبريالية وليس عبر المفاوضات معها، أو من خلال تقديم تنازلات تحت مظلة مقترحات غير مستجابة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post التظاهرات والعنف ببغداد
Next post النسوان في قلب العمليّة الانتخابيّة