أوروبا تحدد استراتيجيتها للوقاية من التطرف في ضوء المستجدات الحديثة
بقلم:
عيسى بوقانون
يقوم الاتحاد الأوروبي بجهود جبارة في سبيل الوقاية من التطرف عبر طرح استراتيجية ناجعة تقوم على تنسيق العمل مع منظمات المجتمع المدني مع الدول جميعها بما فيها الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.حيث حددت الهيئات المعنية سبلا كفيلة صارمة لمحاربة اسباب التطرف، عبر تجفيف منابعه،يتم عبر مطاردة المحرضين ممن يدعون إلى تاسيس خطابات الكراهية كما يتم الشأن عبرقطع اسباب التمويل الذي يساند الجماعات الأصولية و المتطرفة.
ما هو الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني في منع التطرف؟
ما هو الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني في منع تطرف الشباب في أوروبا،وما هي السبل الكفيلة للوقاية من كل أشكال التطرف؟ ضمن هذه الإشكالية نظمت اليوم اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية منتدى دراسيا بشأن دور المجتمع المدني في منع تطرف الشباب. والهدف الرامي من هذه المقاربة في هذا اليو مالدراسي، هو تقديم لمحة عامة عن السياسات والممارسات التي يمكن تطبيقها لمنع تطرف الشباب.المناقشات التي دارت على مدى يوم كامل شارك فيها خبراء و أكاديميون و مسؤولون في الهيئات البلدية بالدول الأوروبية منها بلجيكا وفرنسا و ألمانيا و السويد.
أما المتحدثون الرئيسييون فهم كالآتي:
· الكسندرا أنتونياديس، رئيسة قطاع وحدة منع التطرف لدى المفوضية الأوروبية
· مارغريت بوتارد، المنظمة العالمية للحركة الكشفية
· جيسيكا سورس، مسؤولة سياسة مكافحة التطرف، مدينة فيلفورد
· لين ديفيس، أستاذ فخري في جامعة برمنغهام
السيد كريستيان موس، عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية لمنع التطرف والمقرر الخاص بها.
ضرورة التنسيق مع منظمات المجتمع المدني
المحاضرون شددوا جميعهم على أن منع التطرف إنما يقوم في أساسه على التزام تعتمده مختلف الجهات و الهيئات ومن بينها منظمات المجتمع المدني والتي تلعب دورا محوريا حقا في هذا المضمار. فالمنظمات برأي كريستيان موس، عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية لمنع التطرف والمقرر الخاص بها. هي التي تخول المجتمع بإبراز مرونة باينة في مواجهة التطرف ويتم ذلك برأيه من خلال الاعتماد على مجموعة القيم المشكلة للمؤسسة الاجتماعية. مضيفا “أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي و فضا عن الهيئات الاوروبية المختلفة عليها جميعها أن تدرك الدور المنوط الذي تقوم به هيئات المجتمع المدني و الأعضاء الفاعلون ضمنه باعتبارهم جميعهم شركاء رئيسيين في مجابهة التطرف العنيف بدلا من أن يتم استخدامهم كوسيلة عابرة في هذا السياق”.
صناع القرار السياسي ودورهم في منع التطرف
المقاربة التي تسهم بشكل ما في الوقاية من التطرف، تعتمد حسب المؤتمرين،على تكثيف الجهود في المجالات الحيوية جميعها،ويشمل الأمر صناع القرار السياسي،والمؤسسات الحكومية كإدارة السجون و العمال في المجال الاجتماعي و بخاصة المنشطون الاجتماعيون و الثقافيون فضلا عن الجامعة و وسائل الإعلام وممثلي المجتمع المدني وبخاصة جمعيات الشباب.
الاندماج كحل استراتيجي
جيسيكا سورس، مسؤولة سياسة مكافحة التطرف، مدينة فيلفورد شددت بدورها على ضرورة الحاجة إلى رغبة سياسية لمنع التطرف بمختلف أشكاله مؤكدة على “الأدوار التي تطلع بها المؤسسات جميعها، غير أنها ترى أن الوقت حان لتنسيق المؤسسات الأوروبية جهودها وتعالج قضايا الاندماج”. وتطرح جيسيكا سورس رؤى تحليلية واقعية عبر ما عاينته هي نفسها، حيث تؤكد على “موضوع التدخل العملي،بشأن الأفراد الذين سافروا إلى مناطق النزاع،والعمل معهم سويا حتى نبعدهم عن التطرف قبل فوات الأوان“، وتقترح المسؤولة الاعتماد على الجانب التربوي والتعليمي.فبرأيها “الخبرات موجودة ولكن مدار الأمر إنما يقوم على ضرورة ان ينسق القطاع الاجتماعي جهوده لينظر هو الآخر في نجاحات عمليات التنسيق”.
التنسيق مع السلطات الأمنية المحلية
عمليات التنسيق التي تتحدث عنها مسؤولة سياسة مكافحة التطرف، بمدينة فيلفورد،تمر عبرالحصول على بيانات متعددة المصادر بما فيها الاعتماد بالتنسيق مع السلطات الأمنية المحلية. و التركيز على تقديم الرعاية النفسية لمن هم ضحايا ولوج عالم التطرف،عبر تكييف مجالات التحدي المختلفة وعدم نسيان المحرضين على الإرهاب و على من يصنعون التطرف.تروي السيدة جيسيكا وقائع عاينتها مع أشخاص كانوا ياتون إليها و يصرحون لها في السر، “إنهم بصدد التطرف او هم قاب قوسين أو أدنى من التطرف و يسألونها ما الذي يجب فعله؟”.
التطرف ..حالة نفسية مضطربة؟
من الأهمية بمكان التنبيه إلى أن كثيرا من المتطرفين إنما انساقوا وراء دعايات مغرضة، وخطابات تمس نفسياتهم التي أثبتت كثير من التحقيقات ان المتطرفين او ممن انساقوا وراء أشكال التطرف كانوا في حالة وهن بسبب مشاكل نفسية أو اجتماعية أو حتى مالية، ومن ثم فيعمل المحرضون أو من يحثون الأفراد و الشباب بشكل عام على التطرف،يعمل من أجل استخدام تلك الأسباب وسائل للإقناع.الحلول التي اقترحها المحاضرون هي إعادة الاندماج، اندماج من كانوا في حالات تطرف أو زيغ.
الحلول العملية
الحلول العملية التي نادى بها الخبراء الأوروبيون، هي الاستعداد من أجل معالجة المشكلة من أساسها وتوفير الوقت و المال ومختلف الإمكانات للتوصل إلى نتائج باهرة، و الوقاية من حدوث التطرف او حتى بروز إرهاصاته.
المرشد الاجتماعي و الدراية العلمية الواسعة
المرشدون الاجتماعيون في أوروبا هم في كثير من الحالات لا إلمام لديهم بالثقافة الإسلامية حين يكون الحديث عن التطرف الإسلامي،فتواصلهم مع الشباب من المتطرفين الإسلاميين يكون منقوصا، لأن سصحية المعرفة، تكون حاجزا لمعالجة القضية من أساسها.ثم إن الخبراء يشددون على منطق استعادة الثقة عند الفرد المتطرف او ممن هو على طريق التطرف.
مرحلة ما بعد إتمام العقوبة..وتحديات الحصول على وظيفة
إشكالية كبيرة تطرق إليها الباحثون و المحاضرون وهي أن من أدينوا بالتطرف الإسلامي او ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب وأمضوا عقوبة بالسجن، يجدون صعوبة كبيرة بعد مغادرتهم غياهب السجون في إيجاد فرصة أو عمل او حتى الاندماج داخل المجتمع.
لايس غويلاإيرت،مستشار تربوي يطرح إشكالية التطرف داخل السجون، وهو يقول “إنه من الضرور جدا أن يتم توظيف من اعتقلوا في فترة سابقة، فلا شك أن هناك ممن هم حاصلون على درجات علمية،كما يوجد من يريدون فعلا مباشرة عملهم ضمن وظيفة تسد رمقه. التطرف خطر داهم كبير،ينبغي أن يتم النسيق بين عديد الوزارات، حتى يتمكن المعتقلون من الشباب من أدينوا بتهم التطرف من أن يجدوا أفكارا ناجعة لتحقيق مستقبل زاهر..أن يجدوا ضالتهم”.
إشكالية صحيفة السوابق الجنائية
مشكلة اخرى تقف حجر عثرة في أوجه المدانين بالتطرف في السابق،وهي صحيفة السوابق العدلية،حيث إن الإدارات تطلب أن يكون المتقدم للعمل غير مدان سابقا في جرائم تتعلق بالإرهاب او ما شابه ذلك.
ويضيف لايس غويلاإيرت “ينبغي على المجتمع أن يساعد أرباب العمل بالخبرات و الأفكار حتى يساعدوا اولئك المعتقلين سابقا وان يكون أرباب العمل متحلين بالمرونة لأنهم سيقدمون خدمات جلى للمجتمع حين لا يكونون قاسين على من كانوا في وقت ما من ضحايا التطرف”.
السجن حافز مشجع على التطرف؟
العمل داخل السجون هو أيضا وسيلة مهمة جدا،يضيف لايس غويلاإيرت حيث إن المعتقلين بنظره “لا يحصلون على أنترنت حتى يمكنهم التنسيق من أجل الحصول على وظيفة بعد مغادرة، السجن”.
التجربة السويدية
التجربة السويدية في هذه المضمار،ضرورية حتى تتخذ نموذجا يحتذى، و هي تراعي القضايا الإنسانية للمعتقلين، و تسهم في إعطائهم الفرصة الثانية،حتى يبتعدوا كليا عن منابع التطرف ومن ثم يمكن القضاء على أسبابه التي تعمل على تغذيته. الخبراء تحدثوا عن هزالة التمويل التي كانت سببا عائقا في الوصول إلى نتائج مرضية في مكافحة أسباب التطرف،واقترحوا ايضا أن يكو ن العمل منصبا فعلا في الخارج،بعد مرحلة قضاء العقوبة،وحتى تكون النتائج جيدة اقترح بعض المحاضرين أن يحمل الأفراد السوار الالكتروني.
الوقاية من التطرف تبدأ من المدرسة
ومهما يكن من امر لقد شدد المحاضرون والخبراء على ان الوقاية من التطرف إنما تمر عبر المدرسة و التعليم و التربية،عبر التركيز على مبدأ العيش معا و التعايش سويا وجنبا إلى جنب ضمن القيم الخاصة للدولة، على أن يمارس كل واحد وكل فرد خصوصيته الثقافية ضم إطار مبادىء الدولة. ومن أجل ذلك، ينبغي أيضا ألا تكون المدرسة مجالا رحبا لتغذية أسباب التمييز العنصري والطبقي ما بين التلاميذ.
تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية لمنع التطرف..حين يدق ناقوس الخطر
حصلت يورونيوز على تقرير قدمه السيد كريستيان موس، عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية لمنع التطرف والمقرر الخاص بها .وتركز بنوده جميعها على تشجيع عمل التقابات و تكثيف مساعدات منظمات المجتمع المدني على المستوى الوطني والأوروبي وتنسيق الجهود على الصعيد الأوروبي على المدى الطويل.
اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية لمنع التطرف تقترح إنشاء سجل خاص بالمنظمات و الهيئات غير الحكومية تلك التي تلعب دورا محوريا في الوقاية من التطرف.وشدد التقرير على أن المؤسسات الأوروبية حين تطلع بمهمة منع التطرف،فهي لا تستخدم الوسائل و الأدوات المخصصة لذلك والبرامج الأوروبية التي تهدف إلى مكافحة التطرف بجميع أشكاله.كما أشاد التقرير بدور المؤسسات الدينية في منع التطرف و الوقاية من حدوث أسبابه،عبر محاربة خطاب الكراهية وكل حيثيات التطرف التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المحاضرات أغفلت التطرف غير الإسلامي المنتشر في أوروبا
لكن المداخلات إنما ركزت على التطرف الإسلامي فقط، و لم تمعن النظر في تعميق الرؤى نحو التطرف بكل عام،سواء ذلك الظاهر او غير المرئي الذي يتخفى وراء إيدلوجيات تدعو إلى تشجيع خطابات الكراهية، كما هو الحال في مناهج الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تجتاح تياراتها أوروبا،و التي أصبحت تتخذ من حوادث الإرهاب وقضايا الهجرة شماعة،تنفذ بها أجنداتها العدائية و التي ترنو بها إلى بسط أسباب التمييز العنصري ضد الأجانب و الأقليات.
مصدر يورينوز