البحث عن وطن

جعفر المظفر

الحوار المتمدن- مصدر

ــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن الغباء وحده هو العامل الذي يكمن خلف إستعمال العنف المفرط ضد التظاهرات العراقية الأخيرة, كما أن إستعمال القناصة بشكل أساسي مع تراجع مشهد المصادمات المباشرة بين رجال المؤسسة الأمنية والمتظاهرين يؤكد على أن قرار العنف المفرط كان قد أصدره عقل واحد ونفذته مؤسسة واحدة بشكل معد سلفا وليس كرد فعل كان تصاعد بتناغم مع تصاعد خطورة التظاهرات التي كانت في ساعتها الأولى.
وإستباقا لأية إجتهادات على طريق إيجاد المتهم الحقيقي هاهو (خامنئي) يوفر علينا مشقة الطريق حينما يعلن في تغريدة له على تويتر في وصفه التظاهرات ، أنها “مؤامرة من الأعداء تهدف إلى التفريق بين إيران والعراق”.”

وهل يفترض ذلك سقوط نظرية الدهاء الإيراني ؟ لا أعتقد, فأنا على العكس أرى أن خلف القرار هناك داهية يعتقد أن إستئصال الورم من جسد دولة الفقيه العراقية الإيرانية هو أفضل وسيلة للعلاج. والورم المقصود هنا هو معرفة خامنئي ان العراقيين (الشيعة) لم يخرجوا فقط من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية وإنما خرجوا بالأصل ” بحثا عن وطن” أو لإستعادة وطنهم المختطف من حراس دولة الفقيه الإيرانية.

وقبل أكثر من عقد من الزمن حينما كانت الفورة الطائفية في بدايتها وكانت نظرية (تاج الراس) في أوج صعودها كتبت اقول (ان الشيعي العراقي ينتصر بالسني لا على السني وأن المسلم ينتصر بالمسيحي والإيزيدي والصابئي لا على هؤلاء وأن العربي العراقي ينتصر بالكردي والتركماني وهما ينتصران به وله في دولة هي الأقدم في التاريخ وواحدة من أثمن جواهره).
ولذلك أرى أن مسؤولية الدم العراقي في الجنوب والوسط يتحملها بدرجة اساس كل أولئك الذي خدعتهم نظرية (تاج الرأس) وظنوا أن عدوهم الحقيقي هو ما اسماه ذلك “التاج” بـ (معسكر يزيد). لكنهم وبعد رحلة البحث عن (يزيد) وجدوا أن وطنهم هو تاجهم الذي حاول ذلك الأزعر الدجال نزعه من على رؤوسهم.
وفي جميع الأحوال ليس من الحكمة مطلقا تبرئة الجانب العراقي الحكومي من المسؤولية إلا إذا جاز تصور ان هناك بالفعل شيء إسمه (جانب عراقي).
والقول أن عادل عبدالمهدي, أو اي عراقي بمستواه, ليس أكثر من خيال مآتة لا يبرئ هؤلاء من مسؤولية الجريمة أو يخفف من حجوم أدوارهم لأن دخولهم إلى عالم الجريمة السياسية كان قد بدأ حينما قبل هؤلاء لأنفسهم أن يكونوا أتباعا لدولة الفقية, وهو الفقه الذي يتعارض ويتضاد مع فقه الدولة الوطنية.

أن من الوهم حقا أن نتصور ان بإمكان النظام العميل أن ينتج حكومة وطنية, وما لم يتغير النظام أصلا تكون المراهنة على إمكانية حصول العراقيين على حكومة وطنية كالمراهنة على حصولهم على البيض من مؤخرة الديك الإيراني.

والمقصود بتغيير النظام ليس التخلي عن النظام الديمقراطي, فذلك أثمن ما حصل عليه العراقيون, رغم إدانتنا للطريقة التي تم فيها إقرار ذلك النظام ولأنه لم يأتِ بإرادة عراقية وطنية, وإنما جاء به الإحتلال الذي حرص على أن يأتي متناقضا ومتعارضا ومتصادما مع مفهوم الدولة الوطنية العراقية الواحدة حينما تقرر منذ البداية الإعتماد على قوى سياسية يتعارض منهجها ووحدة العراق وإشتراط مبدأ الولاء لترابه الوطني, فصار عندنا عراقا معوقا مقطوع الساقين ومشلول الساعدين وممنوعا سوى للسير إلى الخلف تحرسه ثقافة البكاء على الأضرحة أو ينهشه الفكر الوهابي التكفيري.

إنما المطلوب بناء نظام ديمقراطي سليم في دولة عراقية وطنية موحدة وفق دستور جديد يضع نهاية لعهد الدولة المسخ ويبدأ بنائها من جديد كدولة علمانية بعد ان عرف العراقيون أن نتيجة دخول الدين على السياسة هي المفسدة لكليهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post سلوكيات سيئة لشرطة هولندا
Next post لبنان ومظاهرات المواطنة