التفكيكية والنقد الأدبي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يعدُّ النقد الأدبي فنًّا من فنونِ الأدبِ التي تهتمُّ بمناقشة الأعمال الأدبيّة ودراستها دراسة وافية، حيثُ يعطي النقدُ الأدبيُّ تفسيرًا لمختلف النصوص الأدبيَّة، وبما أنَّ النقد الأدبي يدرس الأدب فقد ظهرَ بعدَ الأدب فلولا وجود الأدب بمختلف ألوانِه لما كانَ هناك نقدٌ أدبيٌّ في ساحة الفنون الأدبية، والناقد عندما ينظرُ إلى النصِّ الأدبي سواءً كان شعرًا أو نثرًا فإنَّه يحاول أن يكتَشفَ مواضع الجمالِ أو القُبحِ في النص مقدِّمًا الأسباب التي تدعمُ رأيه والذي قد يختلفُ فيه مع ناقدٍ آخر يستطيعُ أن يقدِّمَ أسبابَه أيصًا، لذلك فالنقد عبارة عن فنٍّ وذائقةٍ أدبية وحسٍّ مرهف بالإضافة إلى المعرفة والخبرة التي تعينُ الناقدَ على تأويلِ النصِّ الأدبي وتفسيره بأكمل صورة، وتنقسم حركة النقد الأدبي عند العرب إلى مرحلتين رئيسَتَيْن، الأولى: من العصر الجاهلي إلى بدايةِ عصر النهضة في القرن 19، والثانية من عصر النهضة إلى يومنا هذا، وتاليًا حديث عن التفكيكية إحدى أهم النظريات النقدية الحديثة في الأدب. رائد التفكيكية:
جاك دريدا الفيلسوف
الفرنسي جاك دريدا من أهمِّ فلاسفة القرن العشرين، هو فيلسوف فرنسيٌّ ولدَ في حيِّ
البيار في مدينة الجزائر في 15/7/1930 ونشأ فيها في الفترة التي كانت فيها الجزائر
تحت الانتداب الفرنسي، عملَ مدرِّسًا لأطفال الجنود الفرنسيين في الجزائر وبعدَ
انسحابِ فرنسا من الجزائر عيِّنَ أستاذًا للفلسفة في جامعة السوربون، وتابعَ
مسيرته من هناك إلى أن توفِّيَ في 9/10/2004، هو رائد المنهج التفكيكيِّ وصاحب
نظرية التفكيك في العصر الحديث، وقد طالت نظريَّاته العديد من العلوم كالعلوم
الاجتماعية وعلم الجمال وعلم الأخلاق والفنون والهندسة المعمارية والموسيقى، وقد
تأثَر بجاك دريدا رائد هذا المذهبِ العديدُ ممَّن عاصره، ومن أقواله الشهيرة:
“ما لا يُمكنُ قولُه، لا يَنبغي السُّكوتُ عنهُ، ويكفِي أنْ يكتبَ”
المنهج التفكيكي:
بدايةً سيتمّ الحديث في هذه الفقرة عن مفهوم المنهج التفكيكي الذي يندرج تحتَ ألوان النقد الأدبيِّ وهو مذهبٌ فلسفيٌّ معاصر، ثمَّ التطرقُ إلى كيفيةِ القراءة التفكيكية، وبعدَ ذلكَ حديثٌ عن النقدِ الذي تلقَّته النظرية من معارضيها في الوسط الأدبي والفلسفي
مفهوم المنهج التفكيكي:
تأخذُ هذه الكلمةُ في
أصلها المعجميِّ معنى الهدم والتخريب، وقد أخِذت الكلمة من استخدامها الأصلي حتَّى
تُستخدم في ميدان الفكر لتصبح منهاجَ نقدٍ أدبيٍّ ومذهبٌ فلسفليٌّ في العصر
الحديث، وأوَّل من استخدمها بهذا المعنى وأدرجَها تحت هذا المصطلح الفيلسوف
الفرنسي جاك دريدا رائد المنهج التفكيكي في كتابه “علم الكتابة”، حيثُ
يعتَبرُ هذا المذهبُ أنَّه لا يمكن الوصولُ بشكلٍ من الأشكال إلى فهمٍ واستيعابٍ
كاملٍ أو متماسكٍ للنص الأدبي مهما كان هذا النصُّ، فالقراءةُ وتفسير النصوص
الأدبية بشكلٍ عامّ هي عملية ذاتية يقومُ بها القارئُ وكلُّ قارئٍ يمكن أن يفسِّرَ
النصَّ حسب رؤيته وحسبَ مشاعره وظروفه المحيطة وتجربته التي تؤثر جميعُها في
قراءته لهذا النصِّ، وبناءً على هذا الرأي فإنَّه من المستحيل أن يوجدَ نصٌّ ثابتٌ
متكاملٌ متماسكٌ بذاته.
كيفية القراءة التفكيكية:
تعتمد القراءة التفكيكية للنصوص الأدبية وغيرها على عدَّة نقاط أساسيّة، والتي تعدُّ هرمًا واحدًا لا يمكن الاستغناء عن أحد أركانه:
- الاختلاف: والذي يعدُّ أحد المرتكزات الأساسية التي تعتمد عليه القراءة التفكيكية، فتقصِّي الدلالات اللغوية والجذور الخاصة بها في عدد المفردات يظهِرُ جزءًا من عدمِ استقرار التفكيكة على كلِّ ما هو يقيني.
- مركزيَّة الكلمة أو العقل: يرى جاك دريدا أن التقاليد الغربية دفعت العقل إلى واجهة اهتمامها وأعطته السلطة الأولى في تحديد المعاني، وبذلك كان الاهتمامُ بالكتابة على حساب الكلام من أكثر الطرق تأثيرًا وهي التي قام عليها التمركزحول العقل، ولأنَّ الكتابة تكشفُ عن التغريب في المعنى ذاته، فرسمُ المعنى بوساطةِ العلامَات يعطيه الاستقلالَ والحريَّة عن مؤلفِه الأصليِّ ويعطيه المزيدَ من التفسيراتِ والتأويلاتِ.
- علمُ الكتابة: أو الغراماتولوجيَّة وأصلها الكلمة اليونانية “gramma” والتي تعني المكتوبَ أو المَنقوش، وهو دراسة العلاماتِ أو الإشاراتِ المَكتوبة، فقَد أسَّس جاك دريدا لتحديثِ الفِكر بقلبِ أفضليَّة الكلام على الكتابَةِ، حيثُ جعلَ الكتابة موازيةً للكلام، بعكسِ روسو الذي رآى أنَّ الكتابة تابعة ومتمِّمة للكلام، أما دريدا فقد تمسَّك بالكتابة لأنَّه لا وجودَ لمجتمع دون كتابة أو توثيق أو إشارات وعلامات.
نقد المنهج التفكيكي: تعدُّ هذه النظرية بصورتها العامة مثلها مثلُ أي نصٍّ فلسفي لا تخلو من بعضِ التناقض والمآزقِ، وبما أنَّ أنصارها يطرحون كلَّ النصوص القديمة كانت والحديثة منها على أنَّها عرضةٌ للتناقض فقد لاحظَ بعضُ النقَّاد لهذه النظرية أنَّ التفكير المعتمد على الفلسفة فيها يفتقرُ إلى البعد التاريخيِّ في تقويضهِ للنصوص، وهناك عدَّة نقاط نقدية وجِّهت إلى هذه النظرية الفلسفية والأدبية نذكر منها:
- يكتنفُ المنهج التفكيكي غموضٌ واستعمالُ مفاهيم فلسفية غير واضحة لإقناع القارئ بأنَّ ما يقال مُذهل وغير عادي.
- تركز على الكتابة وتنفي طرق التواصل الأخرى بين البشر.
- تحكم على المؤلف بالموت على اعتباره ناسخًا للنص فقط. شكَّكت في العلم بدايةً ثمَّ انتقل الشكُّ هذا إلى كلِّ شيء.
- شكَّكَت بين الدال والمدلول والمعنى الناتج عنهما وهذا مخالفٌ للمنطق.
- وبتشكيك في اللغة أدَّى للتشكيك في قراءةِ أو تفسير النصِّ، مما أدَّى لتعدد القراءات
ولذلك ادَّعى من عارضَ هذا المنهجَ أنَّها طريقة نقدية خطيرة؛ لأنَّها تفكك وتهدمُ المفاهيمَ السائدة باعتمادها على التشكيك في كلِّ اليقينيات.
الفرق بين التفكيكية والبنيوية : يرى فرديناند دي سوسير والذي يعُدُّهُ الكثيرُ من النقَّاد “مؤسس اللغويات الحديثة” يرى أنَّ فقرات اللغة مترابطةٌ مع بعضها بشكلٍ أساسيٍّ، وبرأيه: تعتَبر اللغة تركيبًا مبنيًّا من العناصر المترابطة، ويقول في ذلك لويس تايسون: “إنَّ سوسير أدركَ أنَّنا نحتاجُ إلى أن نفهمَ اللغة ليسَ على أساس أنَّها مجموعةٌ من الكلماتِ الفرديَّة ذات التاريخِ الفرديِّ، بل على أساس أنَّها نظامٌ تركيبيٌّ من العلاقاتِ بين الكلماتِ المُستخدمة في فترَة معيَّنة من الزَمن”، وبناءً على ذلك فالبنيويَّة لا تنظر إلى أسباب وصول اللغة، بل تنظر إلى القواعد التي تضبط اللغة ووظائفها وبناءها، وتعطي الأولَويَّة للكلام على الكتابة لأنَّ الكلام أقدم وانتشاره أكثر من الكتابة. أمَّا التفكيكية كما مرَّ معنا هي منهجٌ فلسفيٌّ وطريقة جديدة لقراءة النصوص، ترى أنَّه لا يوجد تفسير واحد للمعنى في نصٍّ ما، بل هي تفسيراتٌ غير محدودةٍ، وهي تقدِّم الكتابة على الكلام، ولذلك أصبحت النصوص عُرضةً لنوعٍ جديدٍ من التحليل والتفسيرِ بعد ظهور المنهج التفكيكي في العصرِ الحَديث، وبناء على هذا الاختلاف فيمكن اعتبار التفكيكة من أكثر من جانب ٍما يأتي:
- بنيوية جديدة: يمكن اعتبارها امتدادًا للبنيوية، لأنَّها فتحت نافذةً جديدة لدراسة المفاهيم البنيوية.
- بعدَ البنيوية: منهاجٌ ظهر وتطوَّر بعد البنيوية.
- ضدّ البنيوية: يمكن اعتبارها أيضًا ردَّ فعل على البنيوية، لأنَّها ثارت بعض مفاهيم البنيوية.
- منهج جديد مستقل: أي يمكن اعتبارها مدرسةً مستقلَّةً تأثرت بالبنيوية،
ولها أساساتها وميِّزاتها وأدواتها الخاصَّة.
sotor