ترجل المفسر التنويري محمد شحرور
زهير الخويلدي
شبكة المدار
الإعلامية الأوربية …_ خسرت
الثقافة العربية فارسا من أعظم فرسانها الذين دافعوا عن العلم والنقد والعقلانية
في زمن التراجع والانغلاق ألا وهو الأستاذ والمفسر السوري محمد شحرور الذي اشتهر
بقراءاته العلمية للقرآن ودوره البطولي الاستثنائي في اعتماد التفسير التقدمي
للنصوص والانتصار إلى القيم الكونية والمبادئ الحضارية. لقد ولد العلامة سنة 1938
ودرس الهندسة المدنية في جامعة دمشق وسافر إلى موسكو بعد إعجابه بالفكر الماركسي
ولكنه تحول إلى الدراسات التراثية وأصدر سنة 1990 بحثه المثير المعنون:
“الكتاب والقرآن” الذي جعل منه واحدا من أفضل الباحثين المجددين في
القراءات المعاصرة للوحي حيث طبق مناهج لغوية واستنتج منه رؤى وتصورات ثورية
وانتهى إلى التمييز اللافت بين التنزيل والذكر والفاتحة وأم الكتاب وجعله ينطلق
نحو القيام بمراجعات جذرية للموروث الديني أفضت إلى تشكيل مرجعية حداثية للمسلمين.لقد انطلق المهندس في صناعة الظاهرة الشحرورية غير مكترث بحملات
التشويه والتطاول التي شملته وتوغل في عالم المعرفة الدينية متسلحا بالعقل والعلم
والتجربة ومعتمدا على اللغة في الفهم والتنقيب والنقد والمقارنة بين العقائد
والمرافعة عن الجوانب النيرة من التراث ومثل صوته العلامة الفارقة والمنيرة في
سماء ثقافة اجتاحتها الجحافل والخفافيش من كل حدب وصوب وعمل جاهدا على التمييز
المفهومي وإنارة السبل المظلمة وإرشاد التائهين وإجابة الحائرين والرد على
المشككين في قوة منهجه العقلاني التنويري.
والحق أنه أدى واجبه المعرفي والتنويري باقتدار
وانتمى إلى جيل من المفسرين المجدديين العمالقة على غرار الجابري وأركون وتيزيني
ومروة والعظم والذين تباهت بهم الثقافة العربية والإسلامية وسط الأمم ولكنهم رحلوا
وتركوا فراغا كبيرا احتله التافهون والسفسطائيون والمتاجرون بالمعرفة وبآلام
البسطاء. لقد تضمنت قراءته المعاصرة للقرآن رؤية متكاملة للعلاقة بين الدولة
والمجتمع وحاول التمييز بين الدين والسلطة من خلال تشريحه لمفهوم الحاكمية وبين
الإسلام والإيمان عن طريق التركيز على القصص وإعادة تأصيل علم أصول الفقه بحيث
يراعي حقوق الإنسان وينصف المرأة وينتصر للمساواة والكرامة من خلال تأسيسه لفقه
المرأة في الإسلام ولم يهمل في بحثه المعمق قضية الحديث والسيرة وميز بين السنة
النبوية والسنة الرسالية وحاول تجفيف منابع الإرهاب وبرهن على تهافت التقليديين
وقصر نظر النصيين.من أعمال الراحل الإصلاحية
يمكن أن نذكر رفضه الخضوع لسلطان الفقه الإسلامي واعتماده التجديد المنهجي في
التفسير وإيمانه بالقيم المدنية ودعوته إلى الإقلاع عن الماضوية والعودة إلى إحياء
الاجتهاد. لقد خسرت الدراسات العلمية المعاصرة للدين برحيل المفكر محمد شحرور أهم
وجوهها الفاعلين على المشهد الإعلامي ودعاتها المتحمسين للتنوير والعقلانيية وهو
ما يعقد الوضعية ويعسر المجهود النقدي الذي يعرف في العقود الأخيرة الكثير من
التراجع وينبه كل المثقفين العضويين إلى الاستئناف والاستفاقة. فكيف يمكن استثمار
المواقف الشجاعة التي اتخذها والجرأة النقدية التي تميز بها في إحداث ثورة ثقافية؟الحوار المتمدن