الجالية العربية في بلجيكا بين الاندماج والعزلة

، بقلم  د هشام عوكل

تأخذ قضية الهجرة والاندماج حيزا كبيرا من النقاش في المجتمعات الأوروبية، وخاصة في بلجيكا، التي ينظر بعض مواطنيها بتوجس إلى العمالة المهاجرة. أما الحكومة فتسعى إلى وضع آليات وضوابط جديدة لاستقطاب الأيدي العاملة من الخارج مع مكافحة الهجرة الغير شرعية عبر المنافذ البرية والحرية والجوية مع تنظيم بعض الإشكاليات
المتعلقة في الإقامة والتجنس

تثير مشكلة العمالة المهاجرة نقاشا سياسيّا واجتماعيّا في الدول الأوروبيّة الغربيّة عامة وبلجيكا خاصة، إذ يرتبط هذا الجدال والنقاش بالعامل الديموغرافي في ضوء التناقص المتزايد لأعداد السكان وانعكاس ذلك على حجم النشاط الصناعيّ والاقتصاديّ والدخل القوميّ والفرديّ. ففي تقرير لمنظمة العمل الدوليّة بشأن الآثار والتبعات المترتبة على ذلك تبيّن أنّ معدل دخل الفرد في الخمسين السنة القادمة سينخفض إلى 78 بالمئة من نسبة الدخل الحالي للفرد. ولذلك يرى هذا التقرير بضرورة محاربة أشكال التمييز ضد العمال المهاجرين وإقامة علاقة تكامليّة بين الشريحة المهاجرة والسكان الأصليين في مجتمع متعدد الثقافات يستند إلى الاحترام المتبادل والتسامح الثقافيّ والفكريّ. هذه العوامل دفعت بالساسة والمخططين إلى إعادة النظر في سياسات استقبال العمالة المهاجرة والمهاجرين وآليات استقطابها وتوجيهها

أهمية البحث

تكمن أهمية البحث من فشل المحاولات
التي قامت بها الحكومة، لإيجاد حل لمشكلة اندماج المهاجرين، بالوصول إلى حل مثالي هو أمر صعب المنال. فحتى هذا الوقت لا يوجد هناك إجماع في بلجيكا حول قوانين الاندماج، نظرا لطبيعة الثقافات التي تحيط في بلجيكا وعدم خصوعها للتعريفات لاهي الامة ولا الدولة ولاالجهمورية هناك عديد من المشاكل التي ينبغي بها التعامل مثلا ظاهرة الزواج القسري المنتشرة بين بعض جاليات المهاجرين. جريمة الشرف الابتعاد عن التعلم وعدة من مشاكل قد اوضحها رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي الفائز في الانتخابات للعام 2007 قد اقترح إلزام المهاجر الراغب في إذن إقامة بالانخراط في عملية الاندماج، وإذا رفض فإن من حق الدولة أن تلغي إذن الإقامة. وقد قوبل هذا الاقتراح بالرفض من قبل الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب الخضر والحزب اليساري. وعلقت وزير العدل قائلا:” من الصعب أن نحدد رفض الاندماج بمصطلح قانوني معين”. جدير بالذكر أن عدد المهاجرين في يقارب 125.000الف شخص.

اهداف البحث

1. دراسة مفهوم الاندماج بمنظور الأوروبي والبلجيكي
2. مشكلة العمالة المهاجرة
3. مشاكل اندماج الاطفال المغاربة في المجتمع البلجيكي
4. عوائق في وجه الاندماج
5. الاندماج وتحديد الهجرة

حدود البحث

دراسة مفهوم الاندماج الاجتماعي على الهوية والدين للجالية العربية المسلمة بالمنظور البلجيكي حيث العقبة الكبرى
في طريق أي عملية للاندماج الاجتماعي مقارنة بجوانب الانتماء والولاء الأخرى، كالقومية والأيديولوجيات الفكرية الأخرى. وهو ما يمكن ملاحظته وتجربته على حالة اندماج الأفراد أو الأقليات المهاجرة أيضا. حيث يتخلف عادة أكثر المهاجرين التزاما بالعقيدة الدينية، والعكس بالعكس حيث يقبل الأقل التزاما أو غير المتمايزين دينيا على الاندماج ويتفاعل مع فإلى جانب الموضوع العقيدي أو الديني، هناك الجوانب الثقافية الأخرى والتي تعد حواجز كبيرة مثل تعلم اللغة وفارق نصيب التعليم واستخدام التكنولوجيا وغيرها

بظل رعاية أمة متفوقة، فإن أعضاء الثقافات الأقل تقدما في هذه الدولة سوف يسقطون العديد من ميزاتهم البارزة ويتعلمون حضارة حقيقية (مهيمنة)، أي متخلين عن سمات كثيرة من ثقافتهم، عليه فكم سيتبقى بالضبط من هوياتهم المميزة.

تمهيد ومقدمة

لا بد من التسليم بأن العالم العربي لا يعرف كثيرا عن بلجيكا ولا تعرف عنه الكثير برغم وجود جالية عربية مهمة نسبيا على أرض هذه البلد ووجود مبادلات اقتصادية كثيفة بين الجانبين

1- صورة بلجيكا في العالم العربي

تقترن بلجيكا في أذهان الناس في العالم العربي عموما ببعض الأسماء مثل بروكسيل (باعتبارها عاصمة لأوروبا) وأنفير (ثاني ميناء في أوروبا). ويعرف العسكريون العرب FN بينما يعرف تجار الأسواق التقليدية السجاد البلجيكي و”كريات البليار”. أما بائعو السيارات فيأتون إلى بلجيكا لاقتناء السيارات المستعملة. ولايزال المصريون يتذكرون بشيء من الحنين “ترام” القاهرة الذي صنعت عرباته في شارل روا (بلجيكا) كما لا يزال الشيوخ من أهل القاهرة يتحدثون بإعجاب وإطراء عن البارون إيمبان الذي حقق نجاحاً تجارياً باهراً في بلاد الفراعنة. ويمكن القول إجمالاً إن بلجيكا معروفة في المغرب العربي أفضل مما هي معروفة في المشرق. فبلجيكا تستثمر كثيرا في صناعات النسيج التونسية وتشتري الغاز الجزائري كما تستضيف جالية مهاجرة، مغربية بالخصوص، تقدر بحوالي 550.000 نسمة. وهناك فضلا عن هذا تعاون ثقافي وتقني مهم بين بلجيكا والمغرب العربي.

غير أنه بالنسبة لكثير من العرب تبقى بلجيكا قبل كل شيء بلدا أوروبيا صغيرا يقع بين هولندا (المشهورة بأبقارها الحلوب وبصنوف أجنانها علاوة على الشركات المتعددة القوميات العملاقة مثل شيل وفيليبس) (التي تتمتع بشهرة راسخة) وفرنسا الحاضرة في كل مكان في العالم العربي ولاسيما في الواجهة الجنوبية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.

ولاشك أن رجال الأعمال العرب يعرفون السوق البلجيكية ويعقد الماهرون منهم في هذا البلد صفقات مربحة. لكن عندما يتعلق الأمر بالصفقات الكبرى، فهي تبرم عادة في غير هذا البلد. فما أقل البنوك العربية التي استقرت في بلجيكا وما أقل الأموال العربية المستثمرة فيه، مع أن مبلغ الاستثمارات الخليجية وحدها في الغرب لا يقل عن 100 مليار دولار، يضاف إليها حوالي 600 مليار دولار تمثل أموال الأثرياء العرب المنتمين إلى برجوازية رجال الأعمال. والهيئة الاستثمارية العربية الوحيدة المعروفة نسبيا في بروكسيل هي المنظمة الكويتية للاستثمار والفضل في ذلك يرجع إلى شبكة Q8. ومن الأسباب التي تفسر هذه الظاهرة كون الأثرياء العرب (وخاصة الخليجيين منهم) يتكلمون الإنجليزية وكونهم يميلون إلى إنجلترا والولايات المتحدة أو يؤثرون الواحات الضريبية المتمثلة في لوكسمبورغ وسويسرا، ومن هنا قلت معرفتهم ببلجيكا. والحقيقة أن أفضل سفراء بلجيكا في العالم العربي هم هؤلاء الآلاف من الطلبة العرب الذين تخرجوا من الجامعات البلجيكية، ولاسيما الفرانكفونية منها. وأكثر هؤلاء ينتمون إلى المغرب العربي ثم، بدرجة أقل، إلى مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن. وكثير منهم يحتلون حاليا مناصب المسؤولية ويمثلون من غير شك رسلا لنشر الفرانكفونية، غير أن الجامعات لا تحتفظ بصلاتها معهم، فقليلا ما تتاح لهم فرص الاستفادة من دورات إعادة التدريب في بلجيكا، ولذلك يفقد هؤلاء الطلبة القدماء كل صلاتهم ببلجيكا مع مرور الوقت حتى لا يبقى لهم من هذا البلد إلا ذكريات الشباب. أضف إلى ذلك أن تشديد سياسة منح التأشيرة والانخفاض الملحوظ لعدد المنح المقدمة من بلجيكا ومجموعاتها السكانية، كل ذلك ساهم في التقليص بنسب ضخمة من عدد الطلبة العرب المسجلين في الجامعات البلجيكية خلال عقد التسعينات.

وباستثناء ثلة من رجال الأعمال يعدون بالعشرات وآلاف من الطلبة العرب، يمكن القول إن العرب لا يعرفون عن بلجيكا إلا القليل، أقل على كل حال مما يعرفون عن بلدان أوروبية أخرى تماثلها تقريبا في الحجم، مثل النرويج وهولندا وسويسرا أو النمسا.

ويكفي أن نقرأ الصحف العربية الواسعة الانتشار لندرك مدى قلة الاهتمام ببلجيكا. ولم يستطع أحد من الوزراء البلجيكيين السابقين الذين “اخترقوا جدار” اللامبالاة أن ينال الشهرة ويحظى بالتقدير في العالم العربي غير الوزير سباك، وذلك راجع من غير شك إلى مواقفه الشجاعة من القضية الفلسطينية. وبالمقابل لم تؤد تصريحات وزير بلجيكي سابق حول الإسلام ـ هذا الوزير الذي أصبح فيما بعد أمينا عاما لمنظمة حلف شمال الأطلسي ـ إلا إلى زيادة تعتيم صورة بلجيكا في العالم العربي.

قد يقف المرء موقف الاستغراب أو عدم التصديق من تصريحات الوزير البلجيكي للشؤون الخارجية لكن لو قمنا بإجراء تحقيق واسع في عين المكان عن صورة بلجيكا في العالم العربي فستكون النتائج بالتأكيد بالغة الدلالة. لا لأن صورة بلجيكا في العالم العربي سلبية بل لأن العرب يشعرون بأن بلجيكا تدير لهم ظهرها، مفضلة أن توسع نشاطها في القارة الأفريقية.

2- صورة العالم العربي في بلجيكا

إذا كان العرب لا يعرفون بلجيكا فإن البلجيكيين يعتقدون أنهم يعرفون العالم العربي. ألا يتوافدون بالآلاف على الشواطئ التونسية أو المغربية بحثا عن الاسمرار؟ ألا يصادفون في كل ناحية من شوارع بروكسيل مهاجرا عربيا؟ ألا يتأثرون في حياتهم اليومية بأسعار النفط والغاز “العربيين”؟ ألا يقذفون على مدار السنة بوابل من صور الدم والعنف في فلسطين او العراق؟ ألم يتابعوا “المسلسلات التلفزيونية” عن قضايا “الحجاب الإسلامي” و”الآيات الشيطانية” لصاحبها سلمان رشدي؟

وهكذا يختزل الإنسان العربي بالنسبة لكثير من البلجيكيين في جملة من الصور: صور تشبه البطاقة البريدية التي يرسلها السائح إلى أهله وأصدقائه في البلد ؛ صورة غريبة في الغالب تمثل الجمل والصحراء والسوق التقليدية والمرأة المحتجبة وباختصار عالماً غريباً غير مألوف. وليست هذه الصورة قبيحة في حد ذاتها ولكن أثرها السلبي يكمن في أنها تختزل واقع العالم العربي الشديد التنوع في بضع “ومضات”. وتكرار نفس الصور يفضي آخر الأمر إلى الاعتقاد بأن العالم العربي يعنى امرأة متحجبة على ظهر جمل يعبر الصحراء متجها نحو السوق.

ثم هناك صورة أكثر خدعة ودسا وهي صورة السينما، فهنا التمويه واضح وأسلوب التأثير وتوجيه الرأي خفي دقيق. فالسينما تركز في بضع لقطات كلما يتعلق بسوء الفهم التاريخي القائم بين الغرب والشرق، بين الإسلام والعالم المسيحي، بين العرب وأوروبا، فتصبح الصورة التمثيلية كلها ثنائيات متعارضة. وهكذا ينظر إلى الشرق غالباً على أنه نقيض الغرب، فهو العاطفة مقابل العقل، والعنف مقابل الهدوء، والتقليد مقابل الحداثة، و”الحريم” مقابل نظام الزوجة الواحدة، والحكم الفردي مقابل الديمقراطية، وباختصار الوجه الآخر للذات الغربية المثالية.

والصور التي تبثها السينما هي الأصعب محواً، وهي التي تعمل في الغالب خفية على تكييف تصورات الأشخاص عن الشرق والإسلام والعالم العربي.

وهناك في الأخير الصورة التي تتشكل من خلال الاحتكاك بالمهاجرين العرب، فأكثر البلجيكيين يكونون صورة عامة عن العالم العربي من خلال منظار الهجرة المشوه للحقائق. ولا غرابة بعد هذا أن يشتد عجب البلجيكيين عندما رأوا عازفا لبنانيا على البيانو وهو عبد الرحمن باشا يفوز في مسابقة الملكة إليزابيث وكاتبين عربيين، المغربي الطاهر بن جلون واللبناني أمين معلوف، يحوزان على جائزة غونكور، ثم عندما رأوا الروائي المصري نجيب محفوظ يحصل على جائزة نوبل للآداب. إن هناك كثيرا من العرب بلغوا شأوا بعيدا في ميادين شتى، ولكن قلما يذكر إسهامهم في الفنون والعلوم، وكأن هذا الإسهام لا يعني أحداً أو لعله يزعزع بعض المسلمات الراسخة في الأذهان.

وهكذا يحل العربي في المخيال الجماعي للغربيين ـ ومن ثم للبلجيكيين ـ محل اليهودي والسوفياتي سابقاً، باعتباره عنصرا “غير مرغوب فيه” وبالتالي “سيئ السمعة”.

ويكفي القيام باستطلاع بسيط لمعرفة إلى أي مدى تعشش هذه الصور السلبية في أذهان غالبية البلجيكيين وتؤثر في سلوكهم. وأنا أقول الغالبية لأننا نجد في بلجيكا كما في سائر البلدان الغربية أقلية من الناس عرفت بحكم مهنتها أو بدافع حبها للعالم العربي كيف تكتشف هذا العالم وتسخر طاقاتها لرد الاعتبار له في المخيال الجماعي.

3. الصحافة البلجيكية والعرب

غالباً ما تلقى مسؤولية تشويه صورة العرب على وسائل الإعلام، وهو حكم يحتاج إلى تدقيق بالنظر أولاً إلى اتساع وعمومية مفهوم “وسائل الإعلام”. فهناك الصحافيون والصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون. ومن البدهي أننا لا نستطيع أن نلصق بقناة تلفزيونية (بلجيكية) أو بصحافي وصمة “مناهض للعرب”. ففي هذا البـلد كـما فـي كل البلـدان صحافيون يختلفون في الميولات والمشارب؛ فصحيفة La Dernière Heure مـثلا لا تكـن الحب للعرب، ولكن صحافيي La Dernière Heure لا يتهمون مع ذلك بالعنصرية، بل هذه التهمة بعيدة عنهم. وهناك صحيفة Le Soir التي تبذل كثيرا من الجهد في استجلاء الأحداث والبعد عن الإثارة وشرح حقيقة الوضع في العالم العربي بصورة مفهومة. ولم تقصّر صحيفة La Libre Belgique الكاثوليكية أيضا في هذا المضمار، فالتحليلات والافتتاحيات التي تخص بها كثيرا من القضايا العربية لا تنقصها الدقة والصواب، وهي موفقة في غالب الأحيان، لا لأن هؤلاء الصحافيين يسعون إلى دغدغة مشاعر العرب وخطب ودهم أو إلى إخفاء تناقضاتهم، بل لأنهم على أقل تقدير يتجنبون الانسياق مع التحليلات الصبيانية التي تبدو خارج السياق وخارج التاريخ وخارج المجتمع. غير أن إذاعة وتلفزيون بلجيكا هي التي تقوم بالدور الحاسم فيما يتعلق بالعالم العربي. ولا يمكن القول مع ذلك أنها تروج لصور سلبية، وقد قدمت تقارير صحافية جيدة من إنجاز صحافيين مقتدرين. والصحافيون البلجيكيون معروفون عامة بكونهم يمارسون مهنتهم بكفاءة وشعور بالواجب، وليس لهم من قضية يتجندون لها سوى تتبع الوقائع والإخبار عنها. ولنذكر هنا عَرَضاً برنامج “Sindbad”، الذي يتميز غالباً بجودته العالية والذي ساهم كثيرا في تعريف البلجيكيين على الباحثين والفنانين ذوي الأصول العربية، وعمل على كل حال على كسر الصور النمطية الأكثر رواجاً.

وبالمقابل نلاحظ هزاله الأخبار الدولية في التلفزيون البلجيكيRTL، ولاسيما ما يتعلق بالعالم العربي. ولكن حتى هذه القناة تقدم تعاليق سديدة تصدر عن صحافيين على وعي بإشكالية العالم الثالث. ولكن هؤلاء يشكلون مع الأسف نسبة غير كبيرة ولا يجدون غالباً “المؤازرة” من الإدارة. وعلى أي حال، فقناة RTL قناة تجارية قبل كل شيء، وهي لذلك تخضع لطغيان “الأوديمات” (قياس درجة إقبال الجمهور

والواقع أن الصحافيين سواء في الإذاعة أو في التلفزيون تتوارد عليهم الأحداث المتلاحقة عن العالم العربي بسرعة جنونية. ومن ثم لا يتاح لهم متسع من الوقت في الغالب للتأني والشرح. وكلما دعي شخص للتعليق على الأحداث في الجريدة المتلفزة يطلب منه أن يتحدث في دقيقة أو دقيقتين، وهو وقت لا يكفي إلا لترديد العبارات المعروفة التي تلوكها الألسن في كل مناسبة، ولا يستطيعون غير ذلك. وهكذا يبقى العالم العربي الذي تسلط عليه حركية الأحداث المتصارعة ضوءها الكاشف لغزا كبيرا. فلم يحدث قط أن كثر الحديث عن العراق وفلسطين كما كثر الآن، ومع هذا لم يساهم كل ذلك في توضيح الوقائع واستجلاء المشكلات.

ومن شدة الالتصاق بالحدث ينتهي الأمر إلى احتجاب الحقائق العميقة وانفلاتها من الأيدي، كما أن الإلحاح في حشو أدمغة المستمعين بالأخبار يفضي بها إلى أن تضيق بما حَوَتْ، وتنتهي التغطية الإعلامية الكثيفة لبعض المشكلات والجامعة بين الغث والسمين إلى إيهام المتلقي بأنه أخذ من كل شيء بطرف. وهكذا يطغى الإخبار على التثقيف وتفضل سهولة الانسياق مع التيار العام على صرامة الشك. وينال العالم العربي كغيره من المناطق الجغرافية حظه من الآثار السلبية الناجمة عن ذلك كله.

الفصل الأول

المبحث الأول

مفهوم الاندماج

«لماذا لا نندمج؟» سؤال يطرح بحدة دائماً في بداية كل اجتماع سنوي لمجالس إدارات وجمعيات العمومية والوزارات بكافة وظائفها في أوروبا الغربية في إطار ما أصبح يعرف «بحمى الاندماج» التي تجتاح العالم الآن، حيث لم يعد هناك مكان للكيانات الصغيرة في ظل العولمة، والسبيل إلى تلك الكيانات يكون دائماً بالاندماج والدمج بين أشكال الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. فما هو الاندماج وماهي أنواعه ومفاهيمه؟

الاندماج اللغوي

إن معرفة اللغة هي أحد الشروط الحاسمة للاندماج المهني والاجتماعي، فكلما تمكن الإنسان أكثر من لغة البلد الذي يعيش فيه بشكل مستديم كلما زادت فرصته للاندماج في وقت معقول. لذلك فإنه مصلحة المهاجرين، بل أيضا من مصلحة الدولة المهاجر إليها نفسها أن يتم اكتساب اللغة تحدثا وكتابة طبقا لمعايير جودة موحدة وأهداف تعليمية محددة.

الاندماج المهني

بالإضافة إلى اكتساب معارف لغوية جيدة المستوى فإن أي سياسة ناجحة تجاه الأجانب تفترض أيضا وجود اندماج مهني عن طريق التأهيل، ومواصلة التعليم، وإعادة التأهيل، والتدريب العملي، وتحسين الوضع الدراسي للشباب والنساء من الأجانب بصفة خاصة.

تعمل وزارة الاندماج البلجيكية والعمل على دعم التأهيل المهني، وكذلك توفير أماكن للدراسة ودورات لتحسين فرص الاندماج، وذلك عن طريق مختلف المشروعات.

الاندماج الاجتماعي

إن تحقيق الاندماج الاجتماعي هي مهمة تقع على كاهل المجتمع كله، والتي لا يمكن الوفاء بها إلا بالعمل المشترك من جانب المهاجرين والشعب البلجيكي عبر عملية اجتماعية معقدة. وبالرغم مما تحقق من تقدم ونجاح شبة ملحوظين في سياسة الاندماج إلا أنه لا يزال هناك كثير من النواقص، فلا يزال من الضروري القيام بمجهودات كبيرة لاسيما تجاه تحسين الحياة المشتركة بين الشعب البلجيكي والأجانب، والتعامل الحازم ضد العداء للأجانب. وبرغم كل ما تقوم به الدولة من جهود فاعلة فإن على المواطنين القيام بمشاركة ايجابية في عملية اندماج الأجانب، كما لا بد من مكافحة النشاطات المتطرفة. أطلقت الحكومة مبادرة كلنا واحد الذي يرمي إلى تحويل ما توفره بلجيكا كدولة قانون ديمقراطية من قيم وضمانات إلى واقع ملموس، والذي يرمي أيضا لتمثيل هذه القيم والضمانات تمثيلا قويا. لذا فإنه من الضروري على كل المواطنين المساهمة الفاعلة

أولا

1. سياسة الهجرة في بلجيكا

لطالما شكلت الهجرة إحدى نقاط الاختلاف بين الحكومات المتعقبة، بما فيه، كتلة التيار المسيحي التي نجحت في الانتخابات البرلمانية مؤخرا. ستتجه إلى تقوية الاندماج في المجتمع وتقنين الهجرة الوافدة.

كان قانون الهجرة من القضايا الرئيسة الحاضرة في البرامج الانتخابية للأحزاب البلجيكية. وتعتبر هذه البرامج مثار اختلاف بينها لا سيما فيما يتعلق بمسألة اندماج الأجانب في المجتمع. وكيفية وضع السبل التي من شأنها تسهيل هذا الاندماج.

يرى الحزب الاشتراكي في الهجرة حلاً لبعض المشاكل الاقتصادية الاجتماعية الناتجة عن تناقص عدد السكان الناجم بدوره عن تراجع معدلات الولادة في المجتمع. أما الأمر الأخر هو ما يسمى بـ “شيخوخة المجتمع”، أو غلبة كبار السن عليه. وهو أمر له تأثيرات سلبية كبيرة ليس على تركيبة النظام الاجتماعي فحسب، بل على سوق العمل خلال العقود التالية أيضا. وأثناء تقديم مسودة لقانون جديد للهجرة قبل سنوات من قبل حكومة اعترضت كتلة المعارضة الفلامس بلوك على تسهيل إجراءات الهجرة بحجة أن المزيد من المهاجرين يعني المزيد من العاطلين عن العمل.

2. الاندماج وتحديد الهجرة

وضع الحزب المسيحي الديمقراطي تحديد الهجرة وتقوية الاندماج في المجتمع على برنامجه في الانتخابات الأخيرة التي خرج منها فائزاً. ويرى الحزب أن بلد مفتوح على العالم، وان الكثير من الأجانب المقيمين فيها اندمجوا في المجتمع. ولكنه يرى فيها أيضاً “إشارات خطر تهدد السلام الاجتماعي في البلد”. السبب في هذا الخطر يتعلق بمعدلات البطالة المرتفعة، وعدم حصول أطفال المهاجرين على التعليم المدرسي الأساسي، وإحجام بعض شباب المهاجرين على الاختلاط بالمجتمع البلجيكي. ويرى الحزب كذلك أن قانون الهجرة وحده غير كافي لتجاوز مشاكل الاندماج.

يضع الحزب نصب عينيه تحقيق أهداف من شأنها تحسين هذا الواقع، فقد ورد في برنامج الحزب الانتخابي أن المملكة يريد أن يعيش الأجانب المقيمين “مندمجين في مجتمعنا على أسس ثقافتنا ونظامنا القانوني.” والشيء الأساسي في هذا الاندماج هو تعلم اللغة، وهنا يشدد الحزب على دور الوالدين في تشجيع أطفالهم على الاشتراك في “فرص الحياة والعمل.”

كما انه سيعمل على دفع مسألة الاندماج إلى الأمام، عن طريق حث الأجانب بالوسائل القانونية للاشتراك في دورات للاندماج. كما سيكون هناك شرط جديد في إجراءات “لم الشمل” هو إلمام الزوج القادم إلى بلجيكا الكافي باللغة الفرنسية والفلامنية

3. مشكلة العمالة المهاجرة

تثير مشكلة العمالة المهاجرة نقاشا سياسيّا واجتماعيّا في الدول الأوروبيّة الغربيّة عامة وبلجيكا خاصة، إذ يرتبط هذا الجدال والنقاش بالعامل الديموغرافي في ضوء التناقص المتزايد لأعداد السكان وانعكاس ذلك على حجم النشاط الصناعيّ والاقتصاديّ والدخل القوميّ والفرديّ. ففي تقرير لمنظمة العمل الدوليّة بشأن الآثار والتبعات المترتبة على ذلك تبيّن أنّ معدل دخل الفرد في الخمسين السنة القادمة سينخفض إلى 78 بالمئة من نسبة الدخل الحالي للفرد. ولذلك يرى هذا التقرير بضرورة محاربة أشكال التمييز ضد العمال المهاجرين وإقامة علاقة تكامليّة بين الشريحة المهاجرة والسكان الأصليين في مجتمع متعدد الثقافات يستند إلى الاحترام المتبادل والتسامح الثقافيّ والفكريّ. هذه العوامل دفعت بالساسة والمخططين إلى إعادة النظر في سياسات استقبال العمالة المهاجرة والمهاجرين وآليات استقطابها وتوجيهها.

ويرى جيرون دوميرنك من معهد الدراسات الإثنية والهجرة أنّ أوروبا ستبقى بحاجة إلى العمالة المهاجرة سواء علا مستواها التعليميّ أم انخفض من مزاولة للأعمال البسيطة من تنظيف وخدمات عامة. وفي هذا الصدد فإنّ بعض الدول الأوروبية بلجيكا ألمانيا وهولندا تبدي حساسية من ذلك بحكم تجربتها التاريخية على عكس ما هو الأمر في دول أخرى كبريطانيا مثلا. إذ يرى دوميرنك أنّه منذ الثمانينيّات من القرن الماضي سجلت البطالة نسبا عالية بين المهاجرين وأنّ الأمر قد طال التحصيل الدراسيّ لأبنائهم أيضا. الأحزاب السياسية تدعو إلى تبني سياسات وآليات محددة في عملية استقدام العمال الأجانب. إذ يرى أوميد من حزب الخضر أنّ الحل يكمن في تنفيذ سياسة منظمة ومحددة للعمالة الوافدة يمكن أن تساهم في حل المشكلات التي واكبت عمليات الهجرة من اندماج ولغة وغير ذلك. فهو يرى أنّ تطبيق نظام النقاط حسب المؤهلات في هذا المجال يمكن أن ينظّم عملية الهجرة. إنّ اتّباع مثل هذا النظام يجعل استقطاب العمالة الوافدة عملية مقننة ومدروسة وممنهجة تتيح الفرصة للمؤهلين للقدوم وتغلق الباب أمام غيرهم.

ما زال ينظر إلى المسلمين عامة والعرب خاصة على أنّهم تقوقعوا داخل مجتمعاتهم الخاصة بهم بعيدا عن التواصل الحقيقي مع المجتمع البلجيكي والتفاعل مع الثقافة البلجيكية، الأمر الذي انعكس سلبا على صورة العرب والمسلمين، إذ أنه من الملاحظ أنّ أمواج الهجرة العربية الأولى إلى بلجيكا كانت تنحصر في العمل في الصناعات الثقيلة كصناعات الفحم والصلب والسيارات وقد استوطن القسم الأكبر منهم بالقرب من هذه التجمعات الصناعيّة الكبرى في غرب البلاد وجنوب غربها لا سيّما في منطقة الفلاندر ومدنها الصناعية مثلا لمنطقة الولونية على سبيل المثال. ويلاحظ أنّ النمو الاقتصاديّ قد لعب دورا كبيرا في عملية الاندماج، ففي الستينيّات والسبعينيّات مثلا يبدو أنّ العرب كانوا أكثر اندماجا من مهاجرين ووافدين اليوم وذلك لتدني فرص العمل وتراجع معدلات النمو الاقتصاديّ فبالوقت الراهن. وبالرغم من ذلك فإنّ هناك فئة عريضة من الشباب العربي الذين تلقوا علومهم في بلجيكا يحتلون مراكز متقدمة في ميادين مختلفة من طبيّة وأكاديميّة وغيرها. فقد استطاعوا أن يقيموا جسرا من التواصل بين الثقافة الشرقية والغربية من خلال المحافظة على هويتهم الإسلامية والثقافية والاندماج مع المجتمع البلجيكي في شطرية الفلاندر الذي يتكلم اللغة الهولندية والشطر الولوني الذي يتكلم اللغة الفرنسية. إلا أنّ هذ لا يمنع من وجود نماذج ضربت على نفسها سياجا من العزلة وأصبحت رهينة لأفكار ورؤى لا تخدم صورة الإسلام والقضايا العربية.وكذلك يمكن القول أنّ مسائل الاستيعاب والاندماج تبقى من أكثر الأمور جدلا في الساحة الداخليّة

4. الهجرة وسوق العمل

تشكل العمالة المهاجرة عنصراً هاماً من عناصر الاقتصاد العالميّ، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 86 مليون عامل مهاجر وفدوا إلى بلدان مختلفة للعمل فيها، إلا أنّ هذه العمالة المهاجرة سرعان ما تصطدم في البلدان المضيفة لها بأنواع مختلفة من التمييز سواء أكانت على مستوى الأجور التي يتقاضونها أم النظرة العامة إليهم من توجس وخيفة، إذ تتجلى مبررات هذا الخوف بعيون المواطنين الأصليين بأنّ العمال المهاجرين يحتلون وظائفهم وكذلك التخوف من تفريغ المؤسسات ومراكز العمل من عمال البلاد الأصليين. ولا شك أنّ هذه القضية في هذه الدول ترتبط بقضية التركيبة السكانية وقضية البطالة وإعادة الهيكلة السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الدول
للهجرة في بلجيكا تاريخ طويل من حيث ارتباطها بسوق العمل. فهناك العديد من الحالات التي فتحت فيها بلجيكا أبوابها للمهاجرين من اجل الحصول على أيدي عاملة لسد النقص الموجود في منشأتها الصناعية.

تنقل لنا كتب التاريخ ان أول هجرة أيدي عاملة إمرسوما عام 1955 منح فيه حق الإقامة لـ 44.000 شخص من تركيا والمغرب وايطالية كحل للخروج من المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي كانت تعاني منها بلجيكا في ذلك الحين، بعد حرب العالمية الثانية

والحالة تكررت بعد أن طلبت بلجيكا بعد الحرب العالمية الثانية الكثير من العمال الضيوف لسد النقص الذي جرى في سوق العمل في تلك الفترة، فتوافد عليها الكثير من العمال الضيوف يشكل المغاربة الأتراك النسبة الغالبة منهم.

واليوم يضع الحزب المسيحي عدة ضوابط الهدف منها تحديد الهجرة. وفي علاقة ذلك بسوق العمل والنهوض بالاقتصاد الذي يعاني من البطالة. حيث ستقتصر الهجرة الوافدة في سوق العمل على ما يكفي لسد النقص الأساسي في عدد محترفي حرفة ما. كما على الأجانب من ذوي الكفاءات العالية في المجالات العلمية والبحث العلمي، أو من يمكنهم تقديم إسهامات في الاقتصاد والثقافة.

لكن هذه الضوابط الجيدة، التي سيحاول الحزب انتهاجها بعد فوزه في الانتخابات وتشكيل الحكومة التي لم تشكل للحد الان، لا تغفل عن حقوق المرأة بغض النظر عن الأصل أو الديانة. فالحكومة القادمة ستدعم وتقوم بحماية حقوق الفتيات والنساء المقيمات في بلجيكا والقادمات من بلدان إسلامية، من خلال منع الزواج بالإكراه وسيضع قانون يعاقب على مثل هذه الحالات.

5. التجربة البلجيكية

تسعي الحكومة إلى زيادة معدلات الهجرة، إلا أنها تصطدم بمعوقات إدارية تحول دون تسريع وتفعيل عملية الهجرة المؤهلة. إذ ترى ميشالو، الباحثة في شؤون الهجرة في أنّ عملية التنجس ازدادت صعوبة بحكم اختبار التجنس الذي قد يشكل خطراً حقيقياً على هذه الزيادة ومعدلات الهجرة. ولكن من الواضح أن الحكومة البلجيكية تعتبر التجنس رافدا مهما من روافد الزيادة السكانية، كما أشار قانون الهجرة الصادر عام 2000.

6. النموذج البلجيكي في مقابلة النموذج الأمريكي

إذا كانت مشكلة الهجرة وتبعاتها تثير زوبعة سياسيّة واجتماعيّة في بلجيكا فإنّ الأمر يبدو مختلفا في الولايات المتحدة الأمريكية التي تبقى القبلة الأولى للمهاجرين، إذ لا تحتل هذه النقاشات مساحة واسعة في الرأي العام الأمريكيّ بعكس ما هو عليه الحال في أوروبا. ووفقا لبيانات مركز دراسات الهجرة في واشنطن فإن الولايات المتحدة تستقبل 5 مليون مهاجر كل عام. ونصيب بلجيكا قرابة 20.000 مهاجر سنوياً. وقياساً إلى نسبة عدد السكان في البلدين، فإن بلجيكا تستقبل ما يعادل 2بالمئة المهاجرين للولايات المتحدة سنوياً

الفصل الثاني

المبحث الثاني

مشاكل اندماج الأطفال المغاربة في المجتمع البلجيكي

1.. العالم العربي والمدرسة البلجيكية

ماذا يتعلم التلاميذ البلجيكيون عن الإسلام والعالم العربي؟ كثيرا ما يستوقفني هذا السؤال لأن المدرسة تمثل أهم مؤسسة بعد الأسرة في إقامة العلاقات مع المجتمع والاندماج فيه. ففي المدرسة يتفتح الذهن للمعرفة العلمية وينمو الفضول المعرفي والروح النقدية.

ولمعرفة كيف يدرس العالم العربي والإسلام في المدارس البلجيكية كان لا بد من تفحص الدروس والكتب المدرسية بإمعان وتأن. فماذا كانت النتيجة؟ لا نجد إجمالا إلا بضع صفحات حول الحضارة الإسلامية ولا شيء تقريبا عن المليار مسلم الموجودين حاليا في العالم. أما المعلومات عن العالم العربي بسكانه البالغ عددهم 270 مليون نسمة فشذرات قليلة لا تكاد تذكر. كما لا يجد القارئ سوى إشارات عابرة عن إسهام العرب في تطور العلوم فيما بين القرنين الثامن والرابع عشر، وعن صعود الإمبراطورية العثمانية فيما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر وعن الاستعمار الأوروبي، وتمزيق العالم العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وعن نمو الحركة الوطنية العربية (ق.20) وعن الأحداث العاصفة التي يشهدها العالم العربي حاليا. فأي تلميذ بلجيكي سمع أسماء العلامة الخوارزمي (850-750 ميلادية) والعالم الرياضي الفارابي (950-872) والفيزيائي الفرازي (المتوفى سنة 777م.) وعالم الفلك المقديسي (ق.10م.) والكيميائي العبادي (807-877م.) والفيلسوف ابن سينا (1036-980) أو عالم الاجتماع ابن خلدون (ق. 14م.)؟

وإذا كانت كتب التاريخ تذكر الحروب الصليبية، فقد سكتت بالمقابل عن حملة نابليون على مصر وعن استعمار الجزائر وشق قناة السويس و”الثورة” العربية الكبرى (1918-1915) والمقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني الرامي إلى زرع دولة يهودية في فلسطين قبل سنة 1948، وتصفية الاستعمار في العالم العربي (1970-1920)، كما لا تشير إلى العلاقات الحالية بين العالم العربي والغرب. ومن الصعب حقيقة إدراج درس معمق عن العالم العربي وعن الإسلام في برنامج مدرسي مثقل بالمواد، لكن بالنظر إلى زخم الأحداث الراهنة في العالم العربي من جهة وجو العداء السائد من جهة أخرى، هل يبلغ العجز بالمدرسة البلجيكية ألا تجد من الأفكار والوسائل ما يمكنها من تطعيم برامجها ولو بالحد الأدنى من المعلومات بحيث تساعد الطلبة على تمييز الأحكام المغلوطة وكشف النقاب عن تزييف الحقائق في العالم العربي؟

ومن البديهي أن موازين القوى غير متكافئة. فالتلميذ البلجيكي قد يجوز له أن يتجاهل تاريخ العالم العربي ولغته وآدابه وإنتاجه العلمي. أما التلميذ العربي فيتلقى قدرا أكبر من المعلومات عن الغرب عامة، حتى وإن لم تتوفر له معرفة أفضل عن بلجيكا وصيرورتها التاريخية وخصوصياتها الحالية..

ولاشك أن الترابط بين “تاريخي” الغرب والشرق كان من القوة بحيث كان يتراءى لنا أن من العبث محاولة فهم أحدهما بمعزل عن الآخر

يواجه أغلب أطفال الجاليات العربية في بلجيكا مشاكل عندما يباشرون بتعلم اللغة الفلامانبة. دراسة علمية أظهرت ضعفا ملحوظا عند الأطفال المولدين لعائلات مغربية بالذات. موقعنا يلقي الضوء على هذه الدراسة من خلال محاورة المسؤولين عنها.

يعيش في بلجيكا أكثر من 550.000الف مهاجر وصلوا إليها تباعا منذ ستينيات القرن الماضي في إطار ما عرف آنذاك بموجات الهجرة التي عرفتها أوروبا عموما وبلجيكا ا على الخصوص بعد الحرب العالمية الثانية. ويستقر أغلب المهاجرين في القسم الفلاماني بنسبة حوالي 65.91 في المائة، باعتبارها منطقة تضم أكبر التجمعات الصناعية في بلجيكا. ونظرا للتطور السياسي والثقافي الذي عرفه الشطر الفلاماني المدعوم هولنديا للتقرب اللغة والعادات والتقاليد، أتيحت الفرصة لعدد كبير من المهاجرين الاستقرار في الشطر وإمكانية الحصول على الجنسية البلجيكية، إذ استفاد منذ 1984 الى 2004 حوالي 75.000 ألف شخص من إجراءات الحصول على الجنسية البلجيكية. ومن الطبيعي أن ينجم عن هذا عدد من المشاكل التي أخذت أبعادا كثيرة يتفق معظم المراقبين على تسميتها بمشاكل الاندماج سواء في المجتمع بشكل عام أو في بعض فروعه كسوق العمل أو المدرسة. وتعتبر المدرسة المقياس الحقيقي لهذا التجاذب بين الأنا والآخر، إذ يعرف معظم الأبناء المنحدرين من أسر مهاجرة مشاكل كثيرة في عدم التكيف مع خصوصية النظام التعليمي. وهنا نسلط الضوء على دراسة علمية تعنى بالجالية المغربية والمشاكل التي يتعرض لها أبناؤها عندما يبدأون بتعلم اللغة داخل المدارس

لماذا هذه الدراسة؟

يضم المعهد الذي أشرف على الدراسة عددا من الباحثين والمهتمين من مجالات مختلفة. ويهتم المعهد في الوقت الحاضر بكل ما يتعلق بقضايا الهجرة والتعدد اللغوي والثقافي وقضايا الاندماج، إذ تشكل هذه القضايا في نظره في الفترة الراهنة وفي المستقبل القريب محور الاهتمام في المجتمعات الغربية. ومن بين مجالات البحث التي يهتم بها نجد” المصادر والحواجز اللغوية عند الأطفال المغاربة في بلجيكا ويشرف على المشروع كل من البروفيسور ماس بتعاون مع مراكز الأبحاث المتخصصة في علم الاجتماع المشروع بدعم خاص من بلدية انتورب وبعض الجامعات المغربية والتركية. وتحاول هذه الدراسة الوقوف على الأسباب التي تعيق تحصيل عدد من الأطفال المغاربة من الجيل الثاني والثالث للغة الفلامانية. لهذا اهتم المعهد بدراسة أسباب هذه الظاهرة من زاويتين، الأولى تهتم بالعلاقة بين إتقان اللغة الفلامانية والمصادر اللغوية لديهم، خصوصا وأن أغلبهم يتحدث لغتين والزاوية الثانية هي معرفة المشاكل التي تعيق نقل المعلومات الشفوية والكتابية إليهم.

الإطار النظري للبحث

وعلى الصعيد النظري للبحث، يرى الدكتور حازم كامل الدين أن للبحث غاية تربوية، وأنه اعتمد منهجية البحث الميداني لمعرفة الطبيعة السوسيولغوية للأطفال المغاربة أملا في التوصل الى معرفة أسباب فشل اندماج عدد مهم منهم في النظام التربوي البلجيكي أو المجتمع بشكل عام. وتوصل البحث إلى أن أغلب الأطفال المنحدرين من أسر مغربية يفشلون في سلك نظام التعليم العادي ببلجيكا، مما يؤدي الى نقلهم إلى مدارس ب”المدارس الخاصة” وهو نظام مخصص للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية. ولقد امتد هذا البحث إلى مرحلتين الأولى كانت بين سنة 1999 ـ2002 والثانية ما بين سنة 2002 الى غاية 2004، مركزا تحديدا على منطقة الفلاندر، حيث أكبر تجمع للجالية المغربية ا. وتنحدر غالبية المغاربة من المنطقة الشمالية الشرقية للمغرب التي يتحدث سكانها اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية. وتبقى الإشارة الى أن البحث شمل الأطفال الممتدة أعمارهم ما بين (8 ـ 15 ) سنة.

ما العمل إذن؟

إذا كانت دراسة “بيزا” وهي أهم الدراسات التي تناولت الأنظمة التعليمية في الدول الصناعية، تشدد على ضرورة انفتاح الأنظمة التعليمية على الثقافات الأخرى، فإن البحث عن موضع دراستنا هذا يركز على أن النظام التعليمي البلجيكي وإن كان تربويا مؤهلا لتنفيذ هذه التوصية، يفتقد في الواقع إلى إستراتيجية واضحة لذلك. إن أهم النتائج التي توصل إليها بحث جامع كنجت في نظر الدكتور بتريك تتجلى في كون تطور اللغة الأم لدى الأطفال يلعب دورا حاسما في أغناء الإمكانيات التواصلية لديهم وأن هذه الإمكانيات نفسها تنعكس مباشرة على درجة اندماج هؤلاء الأطفال في المجتمعات التي يعيشون فيها، هذا بالإضافة الى نتيجة أخرى مفادها أن النظام التعليمي غير مؤهل تماما إلى احتضان وتأطير التعدد اللغوي الذي يميز الأطفال المنحدرين من أسر مغربية. ويطالب الفريق المشرف على هذا البحث بضرورة أن تعمل كل من بلجيكا والمغرب على تطوير مناهجها التعليمية بشكل يمكن فيه أغناء ملكات التعدد اللغوي لهؤلاء الأطفال.

المبحث الثالث

الاندماج في المجتمع البلجيكي من منظور الجالية الفلسطينية…نموذج….

تسعى الجالية الفلسطينية إلى الاندماج في المجتمع البلجيكي في الشطرين بالالتزام بقوانين وواجبات، لكن قسما كبيرا منها لا يزال يشعر بالتهميش والرفض. حرمان اللاجئين وأبناءهم من التعليم الجامعي أكبر العوائق التي تعترض طريق الاندماج.

يعود وجود الجالية الفلسطينية في بلجيكا بشكل خاص وفي أوروبا بشكل عام إلى نهاية الخمسينات من القرن الماضي. آنذاك قدمت موجة المهاجرين الأولى إلى بروكسل بهدف الدراسة وكان بعضهم ممنوحاً من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين(أونروا). وقد أبرزت هذه الموجة طبقة من حملة الشهادات العليا والتي استطاعت بسهولة الاندماج في البلد المضيف. أما موجات المهاجرين اللاحقة فكانت مع نهاية الستينيات، لكن القسم الأكبر من هؤلاء الفلسطينيين قدموا إلى كلاجئين من مخيمات لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومن أبناء قطاع غزة عقب اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 ومعظمهم من الشباب.

عوائق في وجه الاندماج

تقدر إحصائيات الجالية الفلسطينية أن هناك مابين 3800 إلى 4500 ألف فلسطيني يعيشون في بلجيكا من كافة الأقطار المضيفة (مثل لبنان وسوريا.اردن )، منهم حوالي 2780 يحملون الجنسية والباقي، يملكون حق الإقامة الدائمة، أما القسم الباقي فما زال يقيم كلاجئ بشكل مؤقت. معظم الفلسطينيين الذي قدموا إلى بهدف الدراسة ويقيمون ويعملون فيها الآن استطاعوا الاندماج بشكل كبير، كما يقول المرشد والباحث الاجتماعي احمد بن سعيد لكن رفض الحكومات المتعاقبة في الماضي إعطاء الفلسطينيين اللاجئين، والذين يشكلون حوالي 25 % من عدد الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، حقوق العمل والتعليم، أثر وبشكل سلبي على نجاح عملية اندماجهم في المجتمع بشكل فعال. فقد شعر الكثير منهم آنذاك بالتهميش والرفض من قبل المجتمع البلجيكي، مما دفعهم للتقوقع والانعزال عن باقي أفراد المجتمع. وعندما أدركت الحكومة أن إبعاد أو إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدان المضيفة التي قدموا منها هي مسألة شبه مستحيلة، قامت بالسماح لهم بالإقامة والعمل ومنحت أولادهم حق التعليم المدرسي وليس الجامعي.

من جهتها تحاول الجالية الفلسطينية وبمساعدة جهات بلجيكية أهلية مثل المكتب المختص بشؤون اللاجئين محاربة هذا القانون وإقناع الحكومة بالسماح للاجئين وأبنائهم بالالتحاق بالجامعات. فبسبب هذا القانون ارتفعت نسبة الطلبة الفلسطينيين الذي تركوا مدارسهم قبل إنهاء مرحلة تعليمية معينة، لأنهم فقدوا الأمل في المستقبل وفي الالتحاق بالمؤسسات التعليمية العليا. وتسعى الجالية على إعادة الاعتبار للتعليم بين أفرادها، كما تقوم بمساعدة الأطفال الفلسطينيين المولودين هنا في الدروس والواجبات المدرسية وبشكل مجاني من خلال الجمعيات الفلسطينية المختلفة. ذلك أنه يغلب على أبناء الجالية هناك تدني المستوى التعليمي بشكل عام وصعوبات من ناحية اللغة.

اندماج ايجابي

ويؤكد بن سعيد على أن القسم الأكبر من الفلسطينيين المقيمين في انتوربن لا يشعرون أنفسهم ضيوفاً على هذا البلد، وإنما أصبحوا جزءاً منه. هم مندمج داخل المجتمع حسب القانون الأساسي للبلد لهم حقوق وعليهم واجبات يلتزمون بها. أما ما يتعلق بالاندماج من الناحية الاجتماعية فهناك ما يمكن تسميته بالاندماج الايجابي بمعنى التمسك بالعادات والتقاليد الإيجابية في المجتمعيين التخلي عن السلبيات. وتحاول الجالية الفلسطينية إلى جانب المحافظة على هويتها السياسية فهم المحيط البلجيك التي تعيش فيه وحل المشاكل الاجتماعية التي قد تنتج عن ذلك. إذ تقوم الجالية من خلال نشاطات مختلفة بالتعريف عن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، الشئ الذي يلقى عند غالبية البلجيك ترحيباً كبيراً.

ومن جهتها تولي بلجيكا مسألة الاندماج اهتماماً كبيراً، لا سيما في السنوات الأخيرة، حتى أن الأحزاب السياسية وضعتها ضمن برامجها الانتخابية. وتقوم الحكومة بحث الأجانب على المشاركة في دورات الاندماج التي توفرها لهم، من خلال تقديمها لدورات تعليم اللغة الفلامانية والفرنسية أو دورات تأهيل مهني بهدف دمجهم في سوق العمل.

وقد أجمع الشباب على كون اللغة هي مفتاح الاندماج، وهو ما يؤكده اسعد وهو مصري يعيش في بلجيكية منذ أربعة أعوام ولكنه يشعر بالغربة التامة، ويرجع هذا بشكل أكبر لعدم تمكنه من اللغة، ولكنه أيضاً لم يحاول التعرف على شباب بلجيك، لذا فهو يشعر بغربة دون أصدقاء، ويجد في القهوة المصرية ملاذه الوحيد. ولكن الأمر لا يتوقف على اللغة أو التعايش، فربا وهي سورية تعيش في بلجيكا منذ أكثر من عشر سنوات وتشعر بالحنين إلى وطنها الأم، وتتمنى العودة إليه، فهي وإن كانت تتحدث اللغة ولها العديد من الأصدقاء، إلا أنها تفتقد أسرتها: “الأسرة والمعارف هم الحماية”. وتؤكد ربا أيضاً على أنها لا تستطيع الاندماج مع المجتمع البلجيكي الذي هو في أساس منقسم على نفسه، فهناك الكثير من الاختلافات في العادات والتقاليد بين البلدين.

وبالطبع يعد الدخول إلى مجتمع جديد أمراً صعباً، فهناك اختلافات في الثقافات وطريقة الحياة، وهو الأمر الذي يقف عائقاً أمام العديد من الشباب. وبينما يرى آخرون في اكتشاف هذا العالم الجديد إثراءً مثل مازن، الذي يجد الجمع بين الثقافتين أمراً ممكناً ويقول: “أنا فلسطيني، لي جذوري العربية والإسلامية ولكني هنا في بلد آخر بعادات وجذور أخرى، وهذا لا يعني أن أنحصر على ذاتي.” ويشعر زاهي بالحرية في أن يحيا بثقافته وكذلك يشارك في الحياة والأنشطة الاجتماعية. وبالطبع يلعب السن الذي ينتقل فيه الشخص للعيش في دولة أخرى دوراً كبيراً سواء في تعلم اللغة أو التأقلم على عادات
وبالطبع يعتبر الاندماج عملية متبادلة، فلكل من الطرفين دوره الذي ينبغي أن يلعبه من أجل إنجاحها، وهو ما تؤكده ألكسندرا والتي ترى أن هناك بعض البلجيك المنغلقين الذين يعشون في القسم الفلاندر من بلجيكية لا يقبلون الثقافات الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فهي تعتبر التعددية ثروة ومكسب للجميع. كما ترجع ألكسندرا عنف بعض البلجيك تجاه الأجانب إلى مشكلة البطالة التي بدأت تتفاقم في بلجيكا، والتي تجعل البعض يشعر بالرفض لهذا الأجنبي الذي جاء ليأخذ مكانه في العمل، ولكنها تضيف: “إنه من الظلم التعميم،

وللإعلام دور كبير في نشر الأفكار حول التطرف وربطة بلا سلام كما يؤكد عبد الملك ويضيف: “للأسف، ينشر كثير من العرب أيضاً أفكاراً خاطئة عن بلاد الغرب، ليبرر فشله فيها، فيرجعه إلى عنصرية الغربيين”. ولكن هذه الأفكار المسبقة منتشرة من الجانبين فألكسندرا ترى أيضاً الكثير من البلجيك الذين يخشون العرب نتيجة ما يسمعونه من كونهم “غير متحضرين”، أما هي فتعرف الكثير من العرب وتجدهم في غاية الكرم وتعتبرهم أصد قاءا رائعين. ولكن فرت تجد عذراً لبعض البلجيك في انتقادهم للأجانب: “أحياناً عندما أرى ما يفعله بعض العرب والأجانب بشكل عام من عدم احترام القواعد والنظام والقوانين، أتفهم موقف البلجيك الذين يكرهون الأجانب، فهم يحبون بلادهم ولا يبغون أن تتدمر، أما في مصر مثلاً، فهم يدمرون كل شيء جميل بلا اكتراث”. ويؤكد فالتر أن مساعدة الأجانب على الاندماج تعد واجباً مهماً من واجبات الحكومة، وهو ما يظهر في الدروس المجانية التي توفرها بعض المدن للمغتربين لتعلم اللغة وعادات وتقاليد البلد. ولكن على الأجانب القيام بدورهم بالذهاب إلى هذه الدروس، فالاندماج يتطلب الانفتاح من الجانبين.

اختلفت الآراء بين العرب أثناء لقاءاتنا بهم، وتعددت القرارات بين من ينوي العودة إلى وطنه ومن ينوي البقاء، ومن لم يقرر بعد أو من ليس لديه الفرصة للقرار. ولكنهم اجتمعوا جميعاً على كونهم الآن بين العالمين، لا يعرفون أيهما الأقرب لهم. فقد اعتادوا العيش هنا، فالنظام والالتزام بالمواعيد والدقة مميزات تسهل الحياة كما أكدوا جميعاً. حتى ربا التي تتمنى أن تتاح لها الفرصة للعودة إلى وطنها تجد أنها قد اعتادت على أسلوب الحياة هنا: “نظام يومي الآن هو نظام بلجيكي. لا أستطيع أن أتخيل الفوضى وعدم الالتزام الموجود في وطني “، ويشاركها عبد الملك الرأي، بالرغم من عدم تأقلمه، فهو يتوقع أنه سيحتاج أشهراً طويلة ليتمكن من الاندماج من جديد في بلده المغرب

المبحث الرابع

تبعات الإرهاب على عملية اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية

أثارت نتائج تحقيقات الشرطة حول التفجيرات الإرهابية في لندن ومدريد وقتل شاب تركي أخته في بلجيكا..جريمة شرف.. كثيراً من الشكوك حول عملية اندماج الأقليات المسلمة في جسم المجتمعات الأوروبية. المعلق بيتر فيليب يرى أن مسؤولية إنجاح هذه العملية تقع على عاتق الجانبين.

يعتقد بعض أن اليوم كان يمكن أن يكون أكثر آمانا لو أن منفذي التفجيرات في لندن هربوا من التفتيش في مطار هيثرو، ولو أنهم وصلوا من الخارج إلى الأراضي البريطانية. لكن بدلا من هذا فإن المعلومة التي سببت الصدمة تمثلت في أن الجناة بريطانيون، وهم جزء من الأقلية المسلمة في البلاد. تخمينات وتوقعات بل وشكوك بمختلف الوجوه يجب أن يفتح لأجلها كل الأبواب خصوصا في الاتجاه التالي:”هل يمثل المسلمون في بلادهم إي بلاد المهجر طابورا خامسا محتملا”؟

مثل هذه الأفكار والنتائج ونجمل معها احداث 11 سبتمبر التي زاددت من حدة التوتر بين الطرفين لن تقتصر على بريطانيا فقط. ففي فرنسا تعيش جالية مسلمة كبيرة أغلبها من شمال إفريقيا وفي ألمانيا أغلبها من الأتراك والأمر نفسه لا يختلف بحال في دول صغيرة أخرى. وفي هولندا يقف الآن شاب من أصل مغربي يحمل جواز سفر هولنديا أمام القضاء في قضية اغتيال المخرج الهولندي فان جوخ وفي ميونيخ تجري محاكمة كردي بتهمة إمداد جماعة أنصار الأسلام المتهمة بالإرهاب بالمتوطعين. والتركي الذي قتل اخته بدافع الشرف والتحقيق الذي مازال مستمر مع عائلة الفتاة البلجيكية التي ذهبت للعراق وقامت بتفجير نفسها والذي اكتشف وراء دفعها شباب مغربي راديكالي.

منطق الأبيض والأسود

هذه الأمثلة تدعو إلى التبصر لكنها غير نموذجية ويجب ألا تحدد الصورة التي ينبغي أن نراها للأقلية المسلمة في بلجيكا وبقدر ما قام الجناة في لندن عن طريق قنابلهم وبلا اكتراث بقتل مسلمين أيضا بقدر ما اتضح أن من لديهم استعداد لأعمال العنف والإرهابيين هم أقلية صغيرة مندسة بين المسلمين ولا يهمهم أن يصبح الجميع في موضع الشك والاتهام. بل إن ذلك ربما يكون هدفا لديهم. لأنه في التفكير العام المسيطر على هذه الرؤوس الموتورة يوجد شئ واحد هو “نحن هنا” “وهم هناك” والمقصود بـ “هم” هي الأغلبية غير المسلمة في المجتمع وهى متهمة بأن كل شكل من أشكال التمييز التي تعايشها الأقلية يفسر على أنه اضطهاد عقائدي أو ديني للإسلام يقوم به الغرب المسيحي. وإذا ما أضيف هذا الشعور إلى ما تولده الأزمات الدولية والحروب من فلسطين إلى أفغانستان، ومن بغداد إلى فسينتج عن ذلك خليط مؤهل للانفجار.

ويلاحظ أنه بهذه الطريقة يمكن تفسير بعض الأشياء دون أن يؤدي ذلك إلى تبريرها. القتلة هم مجرمون مثلهم مثل القتلة في مدريد وقاتل فان جوخ. والآن بدلا من الوقوع في رد فعل هستيري على خطر محتمل من الإسلاميين، يجب على الأوروبيين ومنهم البلجيك أن يرجعوا إلى أنفسهم ويتساءلوا أين الأماكن التي ربما ارتكبت فيها الأخطاء.

أين يكمن الخطأ؟

ولقد ارتكبت أخطاء فعلا، ليس عن طريق تفتيش متهاون للداخلين إلى البلاد وإنما عن طريق التعامل المقصر مع الأقلية المسلمة التي تنمو باستمرار في بلجيكا. وثمة مثال لم يتم الانتباه إليه وهو مدى ما يعنيه الدين والتقاليد الدينية بالنسبة إلى المسلمين وهل يجب علي المسلمين إذا ما أرادوا العيش هنا أن يندمجوا في المجتمع كما جاء في الشعارات؟.

وعندما تم استبعاد تدريس الدين وممارستهن القاعات نقل إلى الأفنية الخلفية وافتتحت الكتاتيب المريبة ألتي سببت أضرارا. وقاتل الهولندي فان جوخ هو أحد منتجات مثل هذه الكتاتيب، وفي أجزاء أخرى من أوروبا يمكن أن يترعرع متطرفون مشابهون أيضا، ويمكن أن يؤدي مثل هذا التكوين العقائدي الديني بالإضافة إلى الانعزال داخل المجتمع والظلم… إلى الإرهاب. وليس في الاستطاعة الحيلولة دون ذلك لكن يجب تقليل الخطر بأن تعطى كل الأقليات بما فيها الأقلية المسلمة الشعور بأنها تنتمي إلى المجتمع وبذا تتم مساعده هذه الأقليات وتتم مساعدة المجتمع كافة أيضا.

الحلول

دعوة إلى مؤتمر يعالج قضايا الاندماج وسط ازدياد مشاكل المهاجرين

في محاولة لتطوير مفهوم جديد للاندماج، تنظم الحكومة البلجيكية مؤتمرا لمناقشة القضايا المتعلقة بالمهاجرين وعائلاتهم في بلجيكا. يأتي المؤتمر كردة فعل على المشكلات التي طفت على السطح مؤخرا مثل العنف في المدارس وجرائم الشرف.
أعلنت الحكومة أنها ستعقد مؤتمرا في بروكسل في بداية شهر اوكتوبر 2007 المقبل، تبحث فيه قضايا المهاجرين والمشاكل والعقبات التي تواجههم للاندماج بشكل كامل في المجتمع. ومن المتوقع أن يناقش المؤتمر قضية سياسة الاندماج بشكل موسع، كما سيتضمن مناقشة قضايا كفاءة اللغة والتعليم والتخطيط المدني. مما سيساعد الحكومة البلجيكية لتطوير سياسة شاملة لجميع المهاجرين وعائلاتهم. هذا وقد جاء الإعلان عن هذا المؤتمر والدعوة العاجلة إلى عقده كردة فعل لازدياد حدة الجدل الدائر حول ازدياد مشاكل المهاجرين في البلاد. ففي بداية الشهر الحالي، أدانت محكمة كنجت شابا تركيا من عائلة مهاجرة يبلغ من العمر 19 عاما، بقضية قتل أخته في أحد شوارع السنة الماضية، وهي إحدى القضايا التي تعرف ب”جرائم الشرف”. وقد أدهشت هذه القضية الرأي العام البلجيك بقدر ما أثارت غضبه.

وبالحديث عن التوتر السائد في بعض المدارس في مدينة انتوربن، قامت بيترا اجيب مديرة مدرسة روت لويس في حي بركرهوت، بشرح مشاكل العنف المدرسي بشكل موسع، ووضحت أسبابه والنتائج التي قد تترتب عليه. فتقول ايتيبر:”83 بالمائة من الأطفال في مدارسنا هم أطفال عائلات مهاجرة. وسياسة الاندماج الفاشلة قادت هؤلاء الأطفال إلى الشعور بالانعزالية داخل المدارس. فتجدهم لا يملكون أي هدف في حياتهم، ولا أي نظرة مستقبلية، هذا بالإضافة إلى البطالة التي يعاني منها آبائهم. كل تلك المشاكل تجمعت في مدرستنا، مما دفع المدرسين إلى المطالبة بحل لها حتى لا تؤثر على العملية التعليمية في المدرسة، ولكن حتى الآن لم نصل إلى أي حال”.
.

وفي هذا السياق أكدت بومر انبر المكلفة الحكومية لشؤون الاندماج وعضو في الاتحاد المسيحي الديمقراطي الفائز الحالي في الانتخابات 2007 أن زمن اللامبالاة وعدم الاكتراث بقضايا ومشاكل المهاجرين قد انتهى، وينبغي الاهتمام بتلك المشاكل ومعالجتها بكل جدية. وتضيف بومر:”هناك طالب من بين كل خمسة طلاب من العائلات المهاجرة لا يحصلون على التعليم العالي(الدبلوم). في بلجيكا طالب من بين ثلاثة طلاب. وهناك ما نسبته 40% من الشباب المهاجرين لا يملكون أي مؤهلات لأي مهنة”. ويعتبر هذا المؤتمر اختبار مهم لبومر، فهي سبق وان تعرضت للانتقاد بحدة من قبل، لأنها لم تؤد واجباتها كممثلة للمهاجرين البلجيك، وكذلك لم يكن لديها أي اتصال مع المنظمات التي تعنى بشؤون المهاجرين. وسيدعى العديد من ممثلي منظمات المهاجرين للمشاركة في هذا المؤتمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post المغاربة أكبر جالية غير أوروبية في بلجيكا
Next post مشروع تربوي ضد تطرف التلاميذ.. إرشادات وتوجيهات