مخاطر اليمين المتطرف في ألمانيا …و ضرورة إعادة التقييم
جاسم محمد ـ
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_هزت ألمانيا جريمة نفذها احد عناصر اليمين المتطرف في مدينة هاناو مساء يوم 19 فبراير 2020،عندما هاجم يميني متطرف اثنين من مقاهي تدخين لشيشة وكان دافع المهاجم هو “كراهية الأجانب” ، والتي راح ضحيتها إحدى عشر شخص شخصا.كانت غالبية منفذي العمليات الإرهابية لليمين المتطرف تأتي من شرق ألمانيا، وربما ذات خلفيات اقتصادية ضعيفة، لكن هذه المرة جاءت من وسط ألمانيا، ومنفذ العملية، كان بتمتع بوظيفة محترمة في وبوضع اقتصادي مريح، وعضو في نادي رماية، لم تؤشر ضده علامات التطرف، وفق شهادات أعضاء النادي، وهذا مايثير الكثير من التساؤلات حول أسباب التطرف اليميني في ألمانيا.
حجم اليمين المتطرف في ألمانيا
كشفت تقارير المخابرات الداخلية الألمانية عن حجم تهديدات اليمين المتطرف، الذي يؤكد أن 12.700 يميني متطرف “يميلون إلى العنف”. وتواصلهم يحصل أكثر من ذي قبل عبر الانترنيت. فالمجال الافتراضي له مفعول تحفيزي، إذ أن خلية إرهابية تم الكشف عنها مؤخرا تطرفت عبر الشبكة العنكبوتية.تشمل تنظيمات اليمين المتطرف في ألمانيا، النازيين الجدد، وحركة مواطني الرايخ، وحركة بغيدا المعادية للإسلام، والدم والشرف والمعركة 18 (الذراع المسلحة لتنظيم الدم والشرف)، وجميع هذه التنظيمات معادية للمهاجرين وترفض النظام الألماني بشكله الحالي ولا تعترف سوى بالإمبراطورية الألمانية التي أسسها “أدولف هتلر” وانهارت بنهاية الحرب العالمية الثانية. اليمين المتطرف يخترق الطبقة السياسية في ألمانيا وبصفة عامة، يبلغ عدد المنتمين لكل تنظيمات اليمين المتطرف في ألمانيا مجتمعة 25 ألف شخص، وفق تقديرات وزارة الداخلية، بينما قدرتها بعض التقارير ب 32 ألف، 50% منهم يميلون إلى تنفيذ عمليات إرهابية، يذكر أن الاستخبارات الألمانية الداخلية وضعت فقط 53 شخص، شديدي الخطورة يميلون إلى تنفيذ عمليا إرهابية.
مشروع قانون ضد نشر الكراهية
طرحت الحكومة الألمانية مشروع قانون يوم 19 فبراير 2020 من اجل متابعة تهديدات القتل عبرا لانترنت بعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات بدل من سنة واحدة رغم أن البعض يطالب بتشديد العقوبة إلى خمس سنوات سجن، ضد من يقوم بتهديدات قتل ضد السياسيين. وبموجب هذا القانون المقترح، يتوجب على محركات وخوادم الانترنيت، بإبلاغ المكتب الاتحادي للتحقيقات الجنائية عن منشورات الكراهية أو التهديد فور نشرها على الشبكة، وهو ما ينطبق، على الدعاية النازية ، وفبركة الأخبار وتهديدات القتل./الكشف عن مخططات تنظيمات وخلايا يمينية متطرفة لتنفيذ هجمات واسعة النطاق ضد المساجد في ألمانيا أثارت تساؤلات كثيرة حول مدى خطر اليمين المتطرف على المسلمين في البلاد. فما الذي يولد الكراهية ضد المسلمين وماذا يمكن فعله للحد من التهديدات المتطرفة؟الباحث الاجتماعي وخبير الشؤون الإسلامية في ألمانيا محمد عسيلة أكد ، وجود يمينيين متطرفين يعملون في المجالات الأمنية أوالسياسية أوالتربوية أوالاجتماعية في ألمانيا، ويتابع: “عندما نجد رجال أمن ومعلمين وموظفين من اليمينيين المتطرفين أو ممن يتستر عليهم، عندها يجب أن نحذر من احتمال وقوع مثل هذه الهجمات”.
تقييم درجة خطورة اليمين المتطرف في ألمانيا
يمثل اليمين المتطرف، تهديد مباشر إلى النظام السياسي في ألمانيا والى الديمقراطية، قبل ان يمثل خطرا على الأجانب. وان ما موجود من عمليات إرهابية لليمين المتطرف، يمثل الشيء القليل من ظاهرة التطرف اليميني، الذي وصفه بعض السياسيين ، ان “النازية” في القرن الماضي، خلال عقد الثلاثينات ومابعدها ماهي إلا “زقة طير” في سماء اليمين المتطرف في الوقت الحالي، وهي تعكس حجم مخاطر اليمين المتطرف في ألمانيا و أوروبا.
رغم أن الاستخبارات الداخلية الألمانية حصرت عدد من 12 ألف إلى 32 ألف شخص ينتمب إلى اليمين المتطرف، لكن هناك استطلاعات أخرى، تقول بان مايقارب 1و5 % من المجتمع ألماني، ينتمي إلى اليمين المتطرف، وان نسبة 48% من المجتمع الألماني يعارض استقبال المهاجرين واللاجئين، وهذا بحد ذاته مؤشر خطر وفق تقارير تناولها موقع الدوتش فيللة عربي.
تهديد الديمقراطية
مايجري في ألمانيا في الوقت الحاضر، هو تهديد اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية إلى الديمقراطية في ألمانيا والى المجتمع الألماني، التهديد لم يكن ضد الأجانب بقدر ماهو أيضا ضد الألمان. المشكلة تكمن في “أيدلوجية اليمين المتطرف” التي ترفض النظام الديمقراطي الحالي في ألمانيا، وتعتبر السياسيين لايمثلونها، وان الحكومة وأجهزة الأمن، تتحكم فيها.العودة إلى “الدولة القومية” والتمترس داخلها، هي ابرز مطالب اليمين المتطرف، لذا ظهرت أصوات داخل أوروبا ، “قوميون وطنيون” وهي شعارات يمينية متطرفة، تدعو إلى رفض الاتحاد الأوروبي، والخروج منه.
اليمين المتطرف تحول إلى “ظاهرة”
الخطر يكمن في اليمين المتطرف، انه تحول إلى “ظاهرة” في المجتمع الألماني إلى جانب المجتمعات الأوروبية الأخرى. فالمشكلة تكمن أيضا في “ثقافة” الشعوب” عندما يعتقد المواطن الألماني، أن وجود ثقافات متعددة واديان وأعراق متعددة، يمثل تهديد إلى قوميته، يدفع الكثير منهم النزوح نحو التطرف.الانترنيت والدعاية المتطرفة، وفبركة الأخبار، مازالت لحد الآن، وسيلة تخدم “اليمين المتطرف، وفي مراجعة سريعة إلى عمليات اليمين المتطرف، نراها دائما تستخدم الانترنيت في نشر أيدلوجياتها المتطرفة وأفكارهم.من الخطأ أن نتناول “ظاهرة اليمين المتطرف” محليا ونربطها في ظروف داخلية أو كونها متعلقة في الهجرة والأجانب، بل هناك ظروف خارجية، أيضا، فصعود زعماء دول في العالم، يدينون في أفكار يمينية، وتغريداتهم وتعليقاتهم، من شانها أن تغذي اليمين المتطرف وتستقطب الكثير من الأشخاص. ألمانيا تنامي اليمين المتطرف
عوامل خارجية تدفع باليمين المتطرف
صعود الرئيس الأمريكي ترامب إلى السلطة، صعدت اليمين المتطرف في العالم وخاصة أوروبا، دول شرق وغرب أوروبا هي أيضا شهدت صعود لليمين المتطرف. والخطر يكون اكبر عندما يكون هذا اليمين المتطرف، ينظم عمله بشكل جيد ،فهناك ترابط بين أطراف اليمين المتطرف في العالم خاصة داخل أوروبا، وهناك منتديات ومؤتمرات إلى زعامات اليمين المتطرف، وهناك ماكينة إعلامية، جميعها من شانها أن تخلق” الإرهاب الأبيض” حول العالم.
ماينبغي أن تقوم به ألمانيا من اجل مواجهة خطر اليمين المتطرف
ـ عدم الاكتفاء بتوسيع صلاحيات أجهزة الاستخبارات والشرطة، بقدر معالجة جذور”ظاهرة اليمين المتطرف” وتفاقمه في ألمانيا، من خلال سياسات ناعمة، تتمثل محاربة التطرف مجتمعيا تساهم فيها مؤسسات الدولة والإعلام والمجتمع.
ـ إيجاد “آلية” أفضل في رصد ومتابعة خطاب الكراهية والتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ماموجود الآن من اتفاقات، وان تتحمل الحكومات هي الأخرى إلى جانب خوادم الانترنيت المسؤولية القانونية والأخلاقية في محاربة “ظاهرة التطرف اليميني”:
ـ إخضاع حزب البديل من اجل ألمانيا تحت
مراقبة وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، حماية الدستور، خاصة كتلة “الجناح”
داخل الحزب.
طالب الأمين العام للحزب
الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل بإخضاع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي لمراقبة هيئة
حماية الدستور (الاستخبارات
الداخلية). وقال كلينغبايل هناك شخص أطلق النار في هاناو، لكن هناك آخرون أمدوه
بالذخيرة، من بينهم بالتأكيد حزب
البديل من أجل ألمانيا وأضاف: “من الواضح تماماً أنه حزب يتعين أن يخضع لرقابة
هيئة حماية الدستور”، مطالباً سلطات الأمن باتخاذ قرار عاجل في هذا الشأن.
إعادة تقييم خطر اليمين المتطرف
من المتوقع أن تشهد ألمانيا، تزايد في عمليات اليمين المتطرف خلال هذه المرحلة، وان مثل هذه العمليات، تبعث رسائل إلى خلايا يمنية أخرى لتنفيذ عمليات إرهابية على غرارها، وهذا ماكشفته تحقيقات الاستخبارات بعد مراجعة الرسائل التي يتركها منفذي العمليات.مايجري الآن في ألمانيا، هو ناقوس خطر متأخر جدا، أكثر بكثير من قدرة أجهزة الأمن وربما الطبقة السياسة في ألمانيا، التي تتحمل هي الكثير من هذا المسؤولية، وهنا، أن لا تلقى المسؤوولية على الاستخبارات والأمن، بل رجال السياسة المعنيين بالتشريعات والتحالفات السياسية وانشغالهم في السلطة، يتحملون المسؤولية. سياسات مكافحة الإرهاب في ألمانيا
ألمانيا اليوم تشهد مرحلة صعبة، هي في اضعف حالاتها سياسيا وامنيا منذ الحرب العالمية الثانية، تحتاج إلى إعادة تقييم مخاطر التهديدات الأمنية، خاصة أنها تهديدات أمنية محلية غير مستوردة.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات