البحث عن التطرف: نشر “طريقة إعادة التوجيه”
ريان غرير و فيديا رامالينجام
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_“في 15 كانون الثاني/يناير، تحدث ريان غرير وفيديا رامالينجام في مائدة مستديرة بمعهد واشنطن بشأن مكافحة التطرف العنيف. وغرير هو مدير تقييم البرامج وإستراتيجيتها في “رابطة مكافحة التشهير”، وكان قد قدم استشارة للعديد من المنظمات أو عمل معها حول قضايا مكافحة التطرف العنيف، بما فيها الوزارات الأمريكية الأمن الداخلي والدفاع والخارجية، و”الصندوق العالمي للمشاركة المجتمعية والمرونة”. ورامالينجام هي مؤسسة شركة “Moonshot CVE” التي تستخدم التكنولوجيا لتعطيل التطرف العنيف في جميع أنحاء العالم. وسابقاً، ترأست أول مشروع حكومي دولي لـ “الاتحاد الأوروبي” حول الإرهاب اليميني المتطرف، والذي بادرت به حكومات الدنمارك وفنلندا وهولندا والنرويج والسويد. ويستند هذا المرصد السياسي إلى المناقشات التي عقدت في الطاولة المستديرة”.بعد اكتشاف قيام كريستوفر هاسون – المحكوم عليه بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاماً – بالتآمر لتنفيذ أعمال إرهابية محلية، اكتُشف أيضاً أنه بحثَ على محرّك “غوغل” عن استعلامات مهدِّدة مثل “كيف يمكن أن ينتفض الأشخاص البيض ضدّ اليهود”. وقد يكون ديلان روف، مرتكب مجزرة كنيسة تشارلستون في عام 2015، قد بحث عن معلومات حول “جرائم السود ضدّ البيض” ووجد نشرات متطرفة. ومن المؤكد أن يستمر مثل هذا التطرف عبر الإنترنت، لا سيّما نظراً إلى عدم المساواة في تنفيذ الطرق الوقائية لـ”تغيير مسار” المتطرفين المحتملين قبل تجاوزهم الحدود نحو الإجرام، وعادةً على نطاقٍ محدود للغاية مقارنةً بالاستراتيجيات التي تهدف إلى التعطيل والاحتجاز، مثل مكافحة الإرهاب.ولمعالجة هذه الثغرة، أدارت مؤخراً كلٌّ من شركة “Moonshot CVE” (“مونشوت لمكافحة التطرف العنيف”) و”رابطة مكافحة التشهير” برنامجاً مشتركاً لمعالجة التطرف القائم على عمليات البحث عبر الإنترنت في الولايات المتحدة. وسعت المؤسستان إلى التقليل من احتمال استهلاك الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت أو تشريعها. وفيما يتخطى ذلك، هدفتا إلى إنشاء مشروع تجريبي وإنتاج بيانات لا تقدّم فقط رؤًى ثاقبة تتعلّق بنزعات الدعاية المتطرفة ومواضيعها في الولايات المتحدة، بل تساعد أيضاً على إبلاغ أفضل الممارسات في تقويض تلك الدعاية.
ما وراء المشروع
في العام الماضي، عمِلَت “مونشوت لمكافحة التطرف العنيف” و”رابطة مكافحة التشهير” في شراكة مع “جين نكست فاوندايشن” (Gen Next Foundation) لنشر برنامج معروف باسم “طريقة إعادة التوجيه”. فوضعت هذه المؤسسات إعلانات على “غوغل” لإعادة توجيه المستخدِمين إلى فيديوهات تقوّض الروايات المتطرفة، مع استهداف الأفراد الذين يبحثون عن مصطلحات تشير إلى نية استهلاك الدعاية المتطرفة أو إلى التعاطف مع التطرف على نطاقٍ أوسع. وتم نشر البرنامج في الولايات المتحدة كمشروع تجريبي لاستكشاف كيف يمكن لأدوات القطاع الخاص مواجهة التطرف على الإنترنت بطريقةٍ تسمح للباحثين بقياس النتائج وتكييف المقاربات التي تناسب ما هو فعال.وأدار المشروع إعلاناتٍ تستهدف الاهتمام بكلٍّ من الدعاية المتطرفة المستوحاة من النزعة الإسلامية والتطرف الأبيض المتفوق (العنصريين البيض). وتم اختيار الفئة الأخيرة كمجال تركيز لعدة أسبابٍ هي: الاتجاهات في هذا التهديد داخل الولايات المتحدة، والثغرة في البرامج المحلّيّة حول التفوق الأبيض (عنصرية البيض) على الإنترنت، والفرصة التي توفرها الخبرة الطويلة لـ “رابطة مكافحة التشهير” حول هذا الموضوع. وتشير أبحاث “رابطة مكافحة التشهير” إلى أن المتطرفين المحليين قتلوا ما لا يقل عن خمسين شخصاً في عام 2018، وهي زيادة حادة من سبعة وثلاثين قتيلاً في عام 2017، مما جعل ذلك العام رابع أكثر الأعوام دموية منذ عام 1970. وإجمالاً، تم تنفيذ 98% من عمليات القتل تلك على أيدي متطرفين يمينيين، بينما تم تنفيذ 78% على أيدي عنصريين بيض على وجه التحديد وتركّز “طريقة إعادة التوجيه” – التي صممتها شركة “مونشوت” بشراكة مع شركة “جيغسو” (Jigsaw) التابعة لـ”غوغل” – على عمليات بحث “غوغل” لأنها توفّر نافذةً فريدةً تُظهر الأفكار والمشاعر الحقيقية الخاصة بالجمهور المعرَّض للخطر. وبينما ينشر المستخدمون على المنصات الأدائية (على سبيل المثال، “فيسبوك” و “تويتر”) وهم يدركون أن نشاطهم سيحدد كيف سيفهمهم الآخرون، تُظهر المصادر غير الأدائية مثل بيانات سير عمليات البحث ما هي المعلومات والمحتويات التي يبحث عنها المستخدمون عبر الإنترنت، وليس ما ينشرونه كأداء اجتماعي. ونظراً لأن سير عمليات البحث أمرٌ خاص – ولا يخضع أبداً للتنقيح أو الإزالة أو الحظر – فبإمكانه أن يشكّل مؤشّراً ملائماً للشهيّة للمحتوى العنيف، وأن يساعد في تمييز ما يفضّله مستهلكوه.وشعر الباحثون بالارتياح عند استخدامهم الإعلانات لأنّ المعلنين التجاريين يحظون بإمكانية كبيرة للتحكم بالمحتوى وبمجموعة من المقاييس التي يمكن أن تكون ذات قيمة في تقييم مدى البلوغ والتأثير. وطال البرنامج المستخدِمين الذين أشارت عمليات بحثهم إلى الاهتمام أو الرغبة في الانضمام إلى إحدى الحركات العنيفة، أو ارتكاب عمل متطرف، أو استخدام الدعاية المتطرفة العنيفة. ولم يتم استهداف الكلمات الرئيسية التي تشير إلى مجرّد الفضول تجاه التطرف العنيف أو إلى البحث المتعلق به. على سبيل المثال، لن يؤدي البحث عن كتاب “يوميات تيرنر” (The Turner Diaries) الذي يشكل دعاية متعلقة بعنصرية البيض إلى إطلاق أحد إعلانات البرنامج، في حين أن البحث عن “يوميات تيرنر على شكل ملف بي دي أف” – يشير إلى وجود نية واضحة في استهلاك المحتوى. وإجمالاً، استخدم البرنامج عمليات بحث “غوغل” للبحث عن 17,134 كلمة رئيسية متعلقة بتفوق البيض و85,327 كلمة رئيسية مرتبطة بالتطرف المستوحى من النزعة الإسلامية.
وظهرت إعلانات إعادة التوجيه بمرتبة أعلى من نتائج البحث العضوية، وعلى هذا النحو، لم تهدف إلى حظر تلك النتائج ولكن لتقديم بديل لها فقط. وعندما ينقر المستخدِمون على الإعلان، يؤخَذون إلى مجموعة من مقاطع الفيديو التي تهدف إلى تقويض الرسائل الموجودة في المحتوى الذي كان سيتم استهلاكه خلاف ذلك. وشملت مقاطع الفيديو رسائل من متطرفين سابقين تركوا الحركة وآخرين من “الرسل الموثوقين”. وعلى الرغم من أن محتوى مقاطع الفيديو قد لا يثني بشكلٍ مؤكدٍ أي شخص عن قناعته في الانضمام إلى إحدى الحركات المتطرفة، إلّا أنه طريقة واعدة لزيادة احتمال استهلاك الأفراد لمحتوى بديل آمن بدلاً من المحتوى المتطرف العنيف.
النتائج
تم تشغيل البرنامج في 3142 مقاطعة، ومقاطعة معادِلة في الولايات المتحدة، في الفترة ما بين أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 2019. وبشكلٍ عام، حصلت إعلانات البرنامج على أكثر من 4000 نقرة أعادت التوجيه إلى محتوى بديل لنشر التفوق الأبيض، وعلى أكثر من 500 نقرة للتطرف المستوحى من النزعة الإسلامية. وأدّى نشر البرنامج أيضاً إلى أكثر من 200,000 ظهور (عدد المرّات التي ظهر فيها الإعلان للأفراد المعرّضين للخطر)، وعدد كبير من النقرات على الإعلانات، ومعدّل نقر مرتفع للوصول إلى المحتوى (النسبة المئوية للنقرات للظهور الواحد) وحصة مرتفعة للظهور مقابل البحث (النسبة المئوية من الوقت الذي يتم فيه عرض الإعلان في كل مرة يبحث فيها المستخدِم المؤهَّل عن كلمة رئيسية خطرة).وإجمالاً، استهلك أولئك الذين بحثوا عن المحتوى المتطرف المتعلق بالعنصريين البيض 5,509 دقيقة من الفيديو الذي يقوّض هذه الرسائل، بينما استهلك أولئك الذين بحثوا عن المحتوى المتطرف المستوحى من النزعة الإسلامية 534 دقيقة من المحتوى الأكثر أمناً. وللتوضيح، لا يعلم الباحثون ما هو التوجّه الأخير للمشاهدين. فهل “أمقتوا مشاهدة” المحتوى؟ وهل أوحى لهم بالابتعاد عن الكراهية والعنف، أو دفعهم إلى إعادة تقييم الدعاية المتطرفة لفترة وجيزة فقط؟ واعتباراً من الآن، تبقى الأجوبة عن هذه الأسئلة المتعلقة بالتأثير غير معروفة، لكن يمكن للباحثين القول إن الجمهور المعرّض للخطر قد استهلك أكثر من 6000 دقيقة من المحتوى البديل – وهو الوقت الذي كان يمكن قضاؤه في استهلاك المحتوى المتطرف العنيف بدلاً من ذلك.وتُظهر تداعيات إطلاق النار المأساوي في مدينة “إل باسو”، تكساس، أثناء نشر “طريقة إعادة التوجيه” ما يعِد به هذا البرنامج. ففي أعقاب تلك المأساة، شهدت الحملة زيادةً بنسبة 104% في الظهور المتعلق بتطرف العنصريين البيض وزيادةً بنسبة 59% في عدد النقرات. وكان هذا التأثير أكثر أهمية في “إل باسو” نفسها، حيث لوحظت زيادة بنسبة 192% في الظهور. وقام الباحثون بقياس زيادةً بنسبة 224% في وقت المشاهدة لقائمة تشغيل مصممة لتقويض رواية العنصريين البيض المتعلقة بـ “المحاربة من أجل الإرث المخصص للبيض”. ويعني ذلك أنّ المستخدِمين المعرّضين للخطر الذين بحثوا عن المحتوى بناءً على عمليات بحثٍ مثل “الاستعداد للحرب العرقية” استهلكوا المحتوى البديل الخاص بالبرنامج – فتجاوزَت الشهيّة للمحتوى الذي يقوّض هذه الرسائل ازدياد الطلب على المحتوى المتطرف.وأسفر البرنامج أيضاً عن رؤًى ملحوظة حول الدعاية على الإنترنت على نطاقٍ أوسع. على سبيل المثال، غالباً ما يُعبّر أولئك المعرّضين لاتّباع نزعة العنصريين البيض عن اهتمامٍ واضحٍ باستهلاك موسيقى فِرَق العنصريين البيض مثل “بلو آيد ديفلز” (Blue Eyed Devils) و”فاجاينال جيزس” (Vaginal Jesus)، والتواصل مع شخصيات مؤثِّرة تتراوح من أحد مستخدِمي “يوتيوب” الكنديين من أتباع النازية الجديدة إلى برينتون تارانت – مرتكب مجزرة كرايستشرش (Christchurch) – وبالطبع أدولف هتلر. ويميل المتطرفون الذين تلهمهم النزعة الإسلامية إلى البحث عن مصطلحاتٍ تشير إلى التعاطف مع الشخصيات المؤثرة أو احترامها مثل عمر عبد الرحمن (الذي يُطلق عليه لقب “الشيخ الأعمى”) وأسامة بن لادن وعبد الله عزّام (العضو المؤسس في تنظيم «القاعدة»).
التداعيات
يوفر إنشاء البنية التحتية لإدارة حملاتٍ في كلٍّ مقاطعة من المقاطعات التي تهدف إلى بلوغ المتطرفين العنيفين المحتملين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فرصاً جديدةً لتنفيذ برامج الوقاية والتدخل المحلية إلى حد كبير على الإنترنت. وفي المستقبل، يأمل الباحثون في إحالة المستخدِمين إلى مقدِّمي الخدمات المحليين (على سبيل المثال، متخصصو الصحة العقلية) الذين يمكنهم الحفاظ على التواصل معهم سواء ضمن نطاق الإنترنت أو خارج هذه الشبكة.ويتم اليوم تطويع المتطرّفيين الحاليين بسرعة الإنترنت، ولكن الموارد لمنع التطرف غير متساوية. ويجب القيام بالكثير من الأمور الإضافية على المستوى المحلي لمواجهة الإرهاب والتطرف العنيف على حد سواء. ويُظهر نشر “طريقة إعادة التوجيه” نتائج واعدة، ويفسح المجال لقياس النتائج، كما أنه قابل للتوسع بصورة متأصلة. وعند توسيعه، قد يكون بمثابة الرابط المفقود بين المساحة على شبكة الإنترنت وخارجها في الصراع ضد التطرف العنيف في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى