إشكالية المضمون بين التغيير الجذري وبين الإصلاح
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية
…_دخلت الانتفاضة العراقية المجيدة ، شهرها الخامس من اندلاعها في
تشرين الأول الماضي وهي لازالت تحت قوة الصراع المتنامي بين الرؤية المستقبلية
الواعدة، وبين الرؤية المتخلفة المنتهية صلاحيتها، بين من يطالب لهذا الوطن باستمرارية
الحياة المشرقة التي يجسدها التفاؤل، والنبض الثوري الداعي إلى التغيير الجذري بعد
أن أصبح النظام الذي جاء بوصفة أجنبية وبين طبقته السياسية المحافظة والمتمسكة
بنظامها وأسلوب حكمها منذُ تأسيس العملية السياسية على قواعد متنافرة وتقسيمات
طائفية وقومية غير صالحة للشعب، حيث كانت بديلاً رديئاً عن نظام دكتاتوري دموي حرم
الشعب من كل حقوقه المشروعة. ولهذا انحاز الشعب إلى التغيير الجذري الداعي إلى استبعاد
الطبقة السياسية. ثم نشأت ظروف تأريخية ثورية يمر بها العراق لأول مرة منذ التغيير
الذي حصل في التاسع من نيسان عام 2003 والتي تأسست جذرياً على تظاهرات 25 تشرين
2011 وتراكم المطالب والاعتراض على النظام الذي سوّق للطائفية والمحاصصة واعتماد
الفساد، الذي تطور إلى ظاهرة خطيرة متفشية كالوباء حيث شمل الفساد السياسي
والإداري والمالي . هناك خلط بين الإصلاح وبين التغيير الجذري، فالإصلاح يتم
بإصلاحات فوقانية للنظام نفسه والذي أصبح خارج إطار التأييد الشعبي وإسناده
والإصلاح قد يكون خطوة تخص جزء من النظام ولكن ليس كل النظام، و بما أن الإصلاح
تبدلات فوقية فهو لايتميز بالثورية وشروط الثورة. إما التغيير الجذري فهو الوجه
الآخر للثورة ويظهر بصور متعددة ومنها الانتفاضة السلمية أذا توفرت شروطها فهي
تستمر إلى الأمام ومن (نجاح إلى نجاح) ، فالبداية نجاح أول ثم المضي قدماً إلى
نجاح آخر ودون وقف الهجوم، وقد تتحول الانتفاضة إلى انتفاضة مسلحة كما حدثت في بعض
البلدان. فيما يخص الانتفاضة العراقية وما سبقتها من انتفاضات عبر تأريخ العراق
فأغلبها سلمية ساهمت في تقريب الحدث الثوري. ومن أهم شروط نجاح الانتفاضة ، اعتمادها
على الطبقة الطليعية وليس على (المؤامرة ) أو على حزب معين ، وإن تعتمد على النهوض
الثوري عند الشعب ، وإن تعتمد على انعطاف حاسم في تأريخ الثورة الصاعدة حين يبلغ
(نشاط الصفوف المتقدمة من الشعب ذروته) ، كما يحصل في الفترة الثورية الضاغطة اشتداد
الترددات والتراجع في صفوف الأعداء وفي صفوف أصدقاء الثورة الضعفاء الحائرين. ومن
المتوقع إن الطبقة السياسية و أحزابها الفاسدة لاتستسلم بسهولة وتتنازل عن مكاسبها
وامتيازاتها كما يحلو للبعض ان يتغنى بها، بل إنها تمارس، ومنذ انطلاق الانتفاضة
السلمية التنكيل بالمنتفضين واستخدام كل وسائل العنف تحت غطاء حكومي أو مليشياوي،
وهذا التعسف والعنف المفرط ادى إلى استشهاد المئات والآلاف من الجرحى والمئات من
المعتقلين والمفقودين في سبيل إيقاف النهوض الثوري. وبعد أن يفشل هذا التوجه واستخدام
العنف سوف تميل الطبقة الحاكمة إلى السلمية والتعامل بنعومة ودغدغة العواطف
الوطنية والدينية والطائفية هذا الظاهر، ولكن سياسة الباطن استمرار الخطف والاغتيال
والاعتقال والمماطلة والتسويف ومن ثم تتوجه نحو دعوة ممثلين عن الانتفاضة لغرض
الحوار ومحاولة إيجاد نقاط وسط وبجانبها استخدام طرق الترغيب والترهيب وتقديم
المناصب والأموال للناشطين لغرض إعادة (الحصان الجامح ) إلى الحظيرة .عندما تكون
القوى المتقابلة غير متوازنة عند حدود النجاح والفشل فهناك متطلبات لابدّ من الانتباه
إليها ، لدينا كفتين غير متوازنتين وهي كفة الشعب بكل شرائحه بعماله وفلاحيه
والكسبة والنساء والرجال والشيوخ والطلبة وغيرها من وقع عليها الظلم ،وكفة أخرى هي
أحزاب الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة والشرطة والقوات الأمنية والقمعية
والمليشيات والنفوذ والأموال التي تمتلكها وعلاقاتها مع القوى الأجنبية المساندة
لها وفي الوسط وطن (العراق) مياهه وأرضه وسمائه وثرواته واقتصاده وزرعه وضرعه
وكيانه التاريخي وتراثه وارثه الشعب يريد استعادة الوطن بكل ما يملك والقوى
المقابلة تريد الاستيلاء على الوطن كل الوطن لصالحها ومصادرة حقوق الأجيال القادمة.
هنا يكمن الصراع . الشعب لايريد الاستمرار في عملية الخدعة والتمويه ولايريد نظام
مبني على الفكر الديني البعيد عن الواقع وتدخل الإسلام السياسي في كل صغيرة
وكبيرة، وتنظيم أسلوب حياة بعيد عن التقدم الحضاري والمعاصرة، فهو لايريد دولة
دينية أو دولة الفقيه، بل يريد دولة مدنية ديمقراطية بفصل الدين عن السياسة. الشعب
يريد استعادة كرامته وحكمه لأن الحكم باسم الشعب بوجود العدالة الاجتماعية.
ومن متطلبات نجاح الانتفاضة
هي الأيمان بقضيتها والإخلاص لها ، تنوع آليات الحركة السلمية ، دور القيادة
والتنظيم والإستفادة من المزاج الجماهيري ، وضع خطط النجاح ، لابدّ من معرفة بأن
المد والضغط الجماهيري والشعبي لايكفي، بل مع الضغط السياسي الداعم للانتفاضة والاستفادة
من القوى المدنية الداعمة للانتفاضة . وهناك نقطة أخرى مهمة وهي الإزاحة الداخلية
وأعني بها بأن الطبقة السياسية سوف تعمل على إزاحة الحالة الثورية عن الانتفاضة والاستهانة
بما يجري وفصل العناصر الواعية الثورية عنها. كما هناك عمل يجري وهو الإزاحة
الخارجية من قبل التدخل الخارجي الإقليمي والدولي تحت ضغط المصالح والاتفاقيات
السرية، لأنهم يريدون شعب عراقي مطيع آمن، ولايهم وجود ملايين تحت خط الفقر ما دام
هناك تفسير (إلاهي) لها حسب منطق الأغنياء وبالتالي يجب حسب سياستهم إزاحة الحالة
الثورية ولكي لاينتشر مثال الانتفاضة في المنطقة.من خلال ما تقدم كيف تبدو اللوحة
السياسية؟ الكتل السياسية لازالت متمسكة بنظامها المحاصصي ولطائفي وبكل أخطاءها
السابقة، الرفض لمحمد علاوي رئيس الوزراء المكلف، ولن يستطع تقديم كابينة تقبل
عليها الكتل، ولكي تمرر رئاسته للوزارة وكابينته فلابد له أن يستجيب لمطالب الكتل
السياسية الحاكمة وليس لمطالب الشعب . وبالرغم من الإهتزاز والخوف الذي ساد الطبقة
السياسية في بداية الانتفاضة ، إلا أنه بدأ يخف بسبب إطالة وقت الانتفاضة وفقدان
بريقها تدريجياً، وكذلك بسبب عدم وجود قيادة موحدة وهناك تناقض في الطرح والتفكير،
بسبب تعدد المطالب الكثيرة لها عناوين ولكن لاتوجد لها آليات أو تنظيم .ضعف ضغط
منظمات الأمم المتحدة وعدم قدرتها على فرض موقف باسم الأمم المتحدة لتغيير الحالة
ودفع الانتفاضة إلى الأمام ، ضعف الموقف الأمريكي ، لأنهم لايريدون المجازفة بالتدخل
وهم لا يعرفون ماهية المنتفضين، خوفاً على مصالحهم كما ان هناك الكثير من
التصريحات من أعضاء مجلس النواب الأمريكي والسناتورية بدعم الشعب العراقي ويذكرون
بأن أمريكا هي التي دمرت العراق وعليها إن تعيده من جديد وقبل أن تختفي ابتسامتك
لهذا التصريح يسارعون ويقولون بأن ذلك صعب جداً وهذا تأتى من تربيتهم للكثير من
المتعاونين والمتعاطفين ويحتاجونهم وقت الشدة عندما تأتي ساعة تصفية الحسابات مع
إيران. ولهذا قد يصل الشعب إلى حافة اليأس مع وصول العراق إلى حافة الهاوية .
والذي يجب معرفته بأن الشعب هو مصدر السلطات وهو الحاكم وهو واضع الدستور
والقوانين وإن اعمار الطغاة قصارُ .
الحوار المتمدن