من يحكم وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب

جواد بيوسف

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مؤخرا خرجت مجموعة من الأصوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطالب الدولة بالتدخل العاجل لضبط وسائل التواصل الاجتماعي لإغلاق حسابات و/أو معاقبة من يرونهم “تفهاء”، صحيح أن مايقوم به كلا الطرفين يدخل في حرية التعبير في فضاء يعتبر أرقى نموذج ديموقراطي توصل إليه العقل البشري باعتباره أغورا رقمية يسمح للجميع بالتعبير عن ما يخالجه من أفكار وآراء، ورقابة وانتقاد السلطات السياسية والدينية والاقتصادية.. لمجتمعاتهم. متناسين أن هذا النظام الذي يطالبونه بالضبط هو نفسه من يسعى منذ حراك الربيع العربي بمختلف الوسائل ليقيد هذه المنصات، منها محاولاته التشريعية والضغط على مؤسسات التواصل الاجتماعي، بل وتدخلت لقمع أصوات النشطاء، لالكونهم ينشرون التفاهات أو التحريض على الإرهاب، أو لأنهم يمارسون العنصرية. ولكن لأنهم رفعو أصواتهم ضد التعسف في السلطة، وضد السياسات الأمنية والاجتماعية الفاشلة.
فشلت هذه الأصوات المنادية لقمع الرأي الآخر في التفكير من خارج الصندوق، في أن ينظرو من منظور السببية بمفهوم الأقدمون للبحث عن أسباب انتشار التفاهات و”الجهالات” في هذا الفضاء كما في الواقع المعيش، وهذا الانتشار نتاج سياسات موجهة منذ عقود سفهت العلم وحرضت “تجار الدين” ضد المدرسة والمعلمين والمصلحين الاجتماعيين، ولم تجد من أدوات تجويد السياسات العلمية والصحية..غير السياسات الأمنية، ولننظر للخلف لنرى كيف تعاملت الدولة مع حراك طالب بمستشفى وجامعة، وكيف تجند إعلامها في سبيل إنتاج التفاهة كبديل للفراغ الذي تركته المؤسسات التعليمية.
هذه الوسائل للتواصل الاجتماعي وفرت مجموعة من الخيارات لسكانها الرقميون. للوافد حق وحرية الاختيار والتعبير، اختيار مايريد سماعه، قراءته،ومشاهدته، والتعبير ؛ بالكتابة، القول، وصناعة محتوى مرئي حول كل ما يلج في خاطره من آراء وأفكار باستثناء تلك التي تحرض على العنصرية والإرهاب. وتأتي منصة اليوتوب في مقدمة هذه الديموقراطية الافتراضية التي توفر محتوى مرئي هائل ولمواطنها الرقمي حرية الاختيار دون أي قيد أو شرط، وتمنح الصوت لمن سلب منه من خلال حق إنشاء قناة ينشر فيها ما يشاء كيفما يشاء شريطة أن لا تتضمن منشوراته “العنصرية” أو “دعم وتحريض الإرهاب”، ويأتي دور مواطنيه “اليوتوبيون” في تحديد المحتوى المهم والتافه، عبر المشاهدات ومشاركة المنشور في المنصات الأخرى، وب”اللايكات” أي خاصيات “الإعجاب”Like ، وكذلك بعدد المنخرطين في القناة “Abonné”، والعقاب ب”لا إعجاب” “déslike” وسحب الإعجاب “Désabonner”، وأحيانا بالتبليغ signalerلدى مؤسسة اليوتوب كلما تعلق الأمر بمنشورات تسيء للأقليات أو تحمل أفكار عنصرية وتلك التي تدعم الإرهاب. هذه الإختيارات هي التي تصنع “الناشط” و”المشهور” أو تسقطه من أعلى الموجة (tendance) اليوتوبية لكل دولة.
وإذا كانت منصات التواصل الاجتماعي مرآة للشعوب وواقعها فإن العديد من المظاهر قد هجرت إليها فيكفي أن التونضونس المغربي مليء بالتفاهات حسب المثقفين “الإلكترونيون” بل وحكمته منذ سنوات وأنتجت لنا”تفاهة” مضادة تتجند لإغلاق قنوات من يرون محتوياتهم “تافهة” دون أن يحتكموا لقواعد منصات التواصل الاجتماعي التي وقفت ضد ابتزازات الأنظمة الإستبدادية، وهم في ذلك يحرجون هذه المؤسسات التي ترفض تقييد الحريات. فهل تساءلنا حول عدد القنوات “التافهة” التي يجب التبليغ عنها لدى اليوتوب وحتى لدى السلطات العمومية، وعن خلفيات الجمهور الذي يضع منتجي “التفاهة” تحت أضواء الطونضونس، وهل حاولنا معرفة مستواهم الثقافي والمعرفي وطبقاتهم الاجتماعية والوعاء الثقافي حيث نضجوا؟ أم أن المبلغين أنفسهم لم يألفوا العيش في بيئة التعددية الحقة ويعانون بذلك من نقص في التربية الديموقراطية، وليس لهم غير المطرقة الأمنية لإسكات أصوات هؤلاء “التافهين” الذين يعبرون عن ثقافة ووعي الهامش، ويبعدوهم بل ويقطعوا باب رزقهم، ولم يبذلوا أي مجهود للنظر في الأفق وكأن سياسة قطع رأس الأفعى ستنجح مع تنين أسطوري يعوض رأس مقطوع بآلاف الرؤوس في الثانية الواحدة، ودون أن يتعظو الدروس من الماضي، فما تزحف عليه الدولة وتجعله تحت سلطتها لا يمكن أن تسلمه.
الآن لهم أن يعلنوا انتصاراتهم على “مي نعيمة” رمز للمرأة القروية التي لم تعرف للمدرسة باب والتي دخلت اليوتوب على يد “مستغلها” والذي لولاه لما عرفنا عنها شيئا مثل الآلاف من نساء المغرب “غير النافع” كما أريد له أن يكون، وليحتفلوا كما ينبغي لهم على متابعة “الشيخ أبو النعيم” الذي كان بالإمكان الحكم عليه بسنوات ضوئية منذ تكفيره لبعض المفكرين لو لم تكن السلطة نفسها تحميه لأغراض في نفسها.
الآن لكم أن تعلنوا انتصاراتكم الدونكيشوتية والسلطة قد جندت المشرع والنيابة العامة والإعلام ليسحبوا وسائل التواصل الاجتماعي من تحت أعيننا ليخيطوه بخيوطهم الحمراء والبرتقالية اللانهائية ليدجن الجميع في أقفاص التفاهة الرسمية ونفقد أصواتنا.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post المحددات السياسية للأعمال العسكرية: مصر-أثيوبيا أنموذجا
Next post إسرائيلُ هي العدوُ الوحيدُ والخصمُ اللدودُ