مستقبل المسيحية في الشرق الأوسط
منسى موريس
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية
…_يمكن للعقل البشرى أن
يتنبىء ويستشرق المستقبل من خلال الوقوف على الفكر الحاضر في الزمان ومدى تقدم
الزمان وتطور العقل فيه , وإذا استطعنا أن نعرف كيف يعمل ويسير العقل في الزمان
يمكننا أيضاً أن نعرف أين نحن ؟ وإلى أين سنذهب ؟وماهية واقعنا ؟ولكن أي عقل ننظر
إليه ؟ وأي زمان يمكننا الرجوع إليه حتى نعرف أين نحن الآن من العقل والزمان؟ أين هي
نقطة ارتكازنا ومرجعيتنا كي نُدرك واقعنا في الوجود؟لا شك أن الحضارة الأوربية
الآن هي النموذج والمثال والمرجعية و تعتبر مرآه الشعوب الآن لما حققته من تطور
وتقدم في جميع المجالات العلمية والإنسانية , إذا نظرنا إلى العقل الأوروبي ومرآته
نستطيع أن نعرف أين نحن الآن؟ لأن العقل الأوروبي يختلف عن العقل العربي ليس من
ناحية تكوينية بيولوجية ولكن من ناحية طريقة آليات التفكير , ووجه الاختلاف بين
العقل الشرق أوسطى والعقل الغربي نجد أن العقل الأوروبي يتحرك نحو الزمان وبتحركه
هذا يضع في الاعتبار كل الاحتياجات الإنسانية وباتجاهه نحو الزمان يتجه مباشرةً
نحو الإنسان كون الزمان يتغير ويتقدم فالإنسان أيضاً يتغير ويتقدم , أما العقل العربي
وهنا تكمن مشكلته إنه لايسير وفق الزمان ومعه بل ضده والنتيجة الحاصلة خنق الذات
البشرية وتقييدها وإجبارها للرجوع القهقرى ومن هنا تضيع كل المعالم الحقوقية
الإنسانية ويصبح المرء عبد لكل ما هو قديم غير نافع.
وهنا أعود لعنوان المقال ” مستقبل المسيحية في الشرق الأوسط “المسيحية
ليست استثناءاً من العقل في الشرق الأوسط بل هي تتأثر بكل عوامل ضعفه مما يوثر
أيضاً على مستقبلها كونا مجموعة ” أفكار ومبادئ ” وهى أيضاً ليست استثناءاً
من العقل الغربي والأوروبي لذلك أيضاً ستتأثر بعوامل الضعف ومواطن القوة أيضاً .
من خلال دراستي وبحثي في الفلسفة واللاهوت وجدت صدمة كبيرة بين نظرة الغرب للاهوت المسيحي
ونظرتنا نحن إلية .حيث وجدت أن اللاهوت عند المُفكرون والفلاسفة الغربيون
المسيحيون أمثال ( جون لوك , دوستويفسكى , كركيجور , سى أس لويس , جون لينكس ,
رافى زاكرياس , الفن بلانتينجا , وليم لين كريج , وغيرهم الكثير وهؤلاء على سبيل
المثال وليس على سبيل الحصر ) له منحى إنساني بحت وأصيل يبدأ من مقولات لاهوتية وينتهي
بمقولات عقلية وجودية إنسانية ذات معاني وقيم عليا تخاطب الإنسان في صورتة الكلية
, وهذا أدى إلى أنسنة الوحي الذي كان في أصلة إنساني و استخلاص كل المبادئ التي
تراعى حقوق الإنسان من النواحي ” العقلية , العلمية , الوجودية , الاجتماعية
والحضارية ” ومعظم هؤلاء الفلاسفة أدركوا أن هناك خلل في الأنظمة الدينية
الكنسية وحاولوا الرجوع إلى أصل المسيحية والتركيز على جوهرها الروحي.لذلك مستقبل
المسيحية في الغرب يمكننا أن نقول إيجابي بسبب أن الفكر المسيحي حسب هؤلاء
الفلاسفة يراعى الإنسان والعلم والحضارة والقيم مهما بدا من موجات إلحادية أو
لادينية فالحضارة الغربية قائمة على أجزاء كبيرة من الأدبيات المسيحية وأن الفكر المسيحي
يعمل وفق ” العقل والزمان ” .أما في ” الشرق الأوسط ” فالأمر
مختلف تماماً فالفكر المسيحي يعمل ضد ” العقل والزمان” .فمثلاً نجد أن الفكر
المسيحي كرث كل طاقاته في الدفاع عن الطوائف والمذهبية حتى أصبحت الطائفة أهم من
” جوهر المسيحية ” وليس من المهم أن تكون مسيحياً وحسب بل المهم ما هي
طائفتك ؟ لدرجة أن كثير من الزيجات فشلت بسبب التعصب الطائفي هذا , ولما دخلوا في
هذا النطاق الضيق اللعين أصبح الخطاب المسيحي يتوجه ليس للإنسان في صورته الكلية
كما في ” الفكر الغربي ” بل لأصحاب الطائفة فقط كأنهم الفرقة الناجية ؟ وبالتالي
قلت الدراسات التي تركز على جوهر المسيحية وحقيقتها وترسيخ أقدامها في عالم يتجه
نحو العقلانية والحداثة والتطور والنطاق العالمي الإنساني .
الفكر المسيحي في ” الشرق الأوسط ” لا يهدف إلى كل ما هو إنساني أو حضاري
أو عقلي , لكنه يتجه ويسير نحو كل ماهو ( طقسي , سياسي , طائفي , خرافي )
وكونه يتجه نحو هذه المقولات فأصبح يعمل ضد العقل والزمان بل العقل والزمان يرفضان
هذه المقولات , لأن هذه المقولات لاتعمل لمصلحة الفرد بل ضده وضد تطوره وعقلة
وحقوقه ولاتشبع عطشه الوجودي الذي يتحقق في ” جوهر الوحي ” لأنها تغرد
خارج سرب الإنسان , وهنا أطرح سوالاً جوهرياً : ” كيف تشبع هذه المقولات
الإنسان الباحث الشكاك الذي يريد أن يقتنص المعنى والغاية من الوجود ؟
هل الإنسان الذي بدأ الآن يشك في مسلماته الدينية ويبحث عن معنى لوجوده هل ستشبعه
هذه المقولات ( الطقس والطائفة والسياسة والخرافة واللا معقولية ) التي تحرك الفكر
المسيحي في الشرق الأوسط ؟ بالطبع لا هذه المقولات لاتتفق مع العقل والزمان وهى
بالنسبه لهما مقولات ميتة والذين يحملونها أمواتاً أيضاً . وهذا سيؤثر بالسلب على
مستقبل المسيحية في الشرق الأوسط وسيتسبب في خروج الكثير من الشباب منها والدخول
إلى الإلحاد أو اللادينية أو أي مذهب آخر يوفر لهم حاجاتهم الوجودية التي لم
يجدوها في مسيحية الشرق الأوسط الممزوجة بمقولات لاتتناسب مع الإنسان الحديث
.طبعاً أنا لا أنكر أن هناك الكثير اعتنقوا المسيحية من خلفيات دينية مختلفة لكنهم
لم يعانوا من ويلات هذه المقولات ولو عانوا من هذه الويلات كانت فرصة دخولهم
المسيحية ستكون ضئيلة جداً لكن أصبح جل اهتمامهم ” المبادئ الروحية التي تبعد
كل البعد عن هذه المقولات ” , أو بتعبير أدق ” المسيحية المجردة ” التي
كانت عنواناً لكتاب الفيلسوف ” سى أس لويس ” وما أحوجنا اليوم في الشرق
الأوسط ” لمسيحية مجردة “وينبغي على رجال الدين المسيحيون أن يدركوا أن
العقائد التي تريد أن تبقى في الزمان والوجود وتستمر على قيد الحياة عليها أن تكون
ديناميكية متحركة تتناسب مع طبيعة العقل والزمان المتحرك وتراعى العلوم والعقلانيه
والحداثة وحقوق الإنسان الوجودية والاجتماعية كما هو موجود في الغرب وعند الفلاسفة
المسيحيون , ولو تناقضت العقائد مع هذه الأمور سيكون مصيرها الفناء والموت والاندثار
.لذلك يجب على الفكر المسيحي في الشرق الأوسط أن يرى المسيحية بعيون التجربة
التاريخية الغربية لأن التاريخ هو مُعلم البشرية .
الحوار المتمدن